وليد دقّة يقدم النضال الفلسطيني بمفردات كليلة ودمنة
عرار:
عمان :-
قد يتساءل القارئ الذي يعرف بعض التفاصيل عن حياة الكاتب الأسير وليد دقّة، عمّا يريد أسير مثله قوله للأطفال بعد أكثر من ثلاثين عاماً قضاها في سجون الاحتلال الصهيوني، في أول تجربة له في الكتابة لليافعين. في «حكاية سرِّ الزيت»، الصادرة عن «مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي»، يحاول دقّة (1961)، مخاطبة الأطفال (و»الكبار» أيضاً)، وتعميق الوعي لديهم تجاه القضية الفلسطينية، من خلال شخصية جود (12 عاماً)، التي تُفتَتح القصة بحزنه وغضبه على حرمان الاحتلال الإسرائيلي له من زيارة والده الأسير الذي لم يره سوى صورةً وسيرة، كونه وُلد عبر «النُطف المُهرَّبة»، ليبدأ بالتفكير في كيف سيتجاوز القيود من أجل رؤيته. تسير أحداث القصة المليئة بالترميزات، فتبدأ الحيوانات (الأرنب سمّور، والقط خنفور، والطائر أبو ريش) بمحادثة جود ومساعدته في سعيه رغم اختلافها في ما بينها، كنايةً عن الفصائل، ومروراً بشخصية الحمار «براط» المُهمّش رغم بذله، كنايةً عن الشعب، وشخصية الكلب «أبو ناب» الذي كما جاء في القصة عند سؤاله عن أنيابه الأخرى، بأن الأميركيين قد كسروها له ولم يُبقوا سوى على ناب واحد، من أجل الشَم للكشف عن الأسلحة والتنسيق، نزولاً عند شرط إسرائيلي للالتحاق بدورة أميركية، كنايةً عن السلطة الفلسطينية، كذلك الشجرة أُم رومي (1500 عام)، التي يقتلعها الاحتلال فيختبئ جود بداخلها للتسلل، كنايةً عن الحضارة العربية والإسلامية. ويستمر الكاتب بمخاطبة عميقة لقرّائه، فطرح من خلال الحكاية طرقاً للتفكير بالحلول وتعزيز فكرة «الممكن» في كل شيء، وتصويب بعض المفاهيم في سبيل ذلك، فمثلاً يتحدّث عن «سرِّ الزيت» الذي يُخفي ولا يشفي، ويناقش القضية الفلسطينية على نحوٍ مختلف: «وباء العصر فقدان الحرية... لفقدان الحرّية ظاهر وباطن، الظاهر، السجون والحواجز والجدار والأسلاك الشائكة... أما باطن الوباء هو فقدان العقل والأخلاق»، حتى في نهاية القصة، جعل القرار بيد الطفل جود الذي قرّر تحرير فلسطين والأسرى جميعاً بعد أن تتم دراسته بما يخدم ذلك، دون أن يحدّد إن كان هذا بالإصلاح الاجتماعي، أم بالعلوم والثقافة، أم بالسلاح، أم بذلك كُلّه. رغم الواقع الفلسطيني المُعَقّد، استطاع دقّة أن يَبْسِط المعاناة الفلسطينية اليومية بفعل الاحتلال بشكل ذكي، وتسلسل سلس لأحداث القصة، فتكلّم عن: النطف المُهرَّبة، وحرمان الأسرى من الزيارات، والجدار الفاصل، والتنسيق الأمني، وقلع الأشجار، والمستوطنات، والطرق الالتفافية، وعمّال التهريب، وسياسة هدم المنازل، ومصادرة الأراضي، وتصاريح العبور إلى المشافي، والحرمان من السفر. لم يطغ على النَصّ انتماء كاتبه للجبهة الشعبية، ولا حتى مواقفه السياسية الشخصية، ولكنه ناقش بجرأة ووضوح لم يحجبه الترميز الفني واقع الأجهزة الأمنية الفلسطينية من خلال شخصية «أبو ناب»، ولكنه في الوقت ذاته لم يعالج القضية بشرخٍ فلسطيني داخلي، بل صوّب ذلك بأن «أبو ناب» عندما قرّر مع بقية الحيوانات (الفصائل) أن يوحّدوا جهودهم خلف جود، استطاعوا تحقيق هدفهم المُشتَرك. لخّص وليد دقّة رغبتَه في الكتابة في مُستَهلّ الكتاب: «أكتبُ حتى أتحرّر من السِّجن، على أمل أن أُحرِّرهُ منِّي»، فكان لرغبته نصيب الملاحقة بمنع نشر الكتاب أو عقد الندوات في كامل فلسطين المحتلّة عام 1948، بالإضافة إلى حرمانه من الزيارة لمدة شهرين، ومصادرة كافة كتاباته وكتبه الخاصة به، وفرض «غرامة مالية».