|
عرار: عرار : أصدر مشروع "كلمة" للترجمة التابع لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث، با كتاباً جديداً مترجما بعنوان "سبعة أيام في عالم الفن" للمؤلفة سارة ثورنتون، وقام بنقله للعربية د.صديق محمد جوهر، وصدر الكتاب بالتعاون مع مع شركة التطوير والاستثمار السياحي بأبوظبي. يأتي نشر كتاب "سبعة أيام في عالم الفن" الإثنوغرافيا المسلية لسارة ثورنتون ضمن مجموعة من المطبوعات الجديدة التي أطلقت على هامش فعاليات الدورة الثالثة لمعرض فن أبوظبي الذي نظمته هيئة أبوظبي للثقافة والتراث وشركة "التطوير والاستثمار السياحي"، وترتبط المطبوعات ببعض المواضيع الرئيسية التي يغطيها البرنامج العام، مثل تاريخ الفن في الشرق الأوسط، وسوق الفن العالمي والفن العابر للثقافات. وقد حقق كتاب "سبعة أيام في عالم الفن" نجاحاً كبيراً على المستوى العالمي، إذ ترجم إلى أربع عشرة لغة. ويأخذنا الكتاب إلى ما وراء الكواليس في عالم الفن، من مدارس الفن لبيوت المزادات، مبيناً لنا كيف يتم العمل في هذه الأماكن، ويعطينا إحساساً غنياً وكأننا نعيش التجربة حقاً من خلال سلسلة من القصص اليومية في نيويورك ولوس أنجلس ولندن وبازل والبندقية وطوكيو، كما يستكشف ديناميات الإبداع والذوق والمال والتسويق والبحث عن معنى للحياة. عندما تتراجع بعض جوانب المشهد الثقافي وتتوارى عن العيون لفترات قد تطول أو تقصر يتجه الجمهور العاشق للفن البصري والمرئي إلى مناطق أخرى في الفضاء الثقافي في محاولة لتحدي الأساليب البالية والطرائق التقليدية التي أصابت الوسط الثقافي بالجمود والركود، وفي هذا السياق يجب الاعتراف بأنه وعلى الرغم من أننا أصبحنا أكثر إلماماً بالتعليم إلا أننا لا نقرأ كثيراً، إن الثقافة في الوقت الحاضر أصبحت ثقافة مرئية بصرية تُبث عبر شاشات العرض المختلفة ومن خلال فضاء الإنترنت واليوتيوب. وعلى الرغم من أن ثمة من يتباكى بل و يتفجع على زوال زمن القراءة وحلول عهد جديد يراه هؤلاء على أنه بمثابة نكوص أو مشهد ارتجاعي إلى الماضوية وأزمنة الثقافات الشفاهية إلا أن آخرين يعتقدون أن هذا العصر يشهد نمواً في ما يُسمى بالتعليم المرئي أو الثقافة البصرية، في هذا العصر يعتمد التطور الثقافي والمعرفي بشكل كبير على ما تراه العين، ولذلك تصبح عملية تعلم الثقافة مصحوبة بالمتعة وبكل ما يسر العين، كما ينبغي القول بأن الفن أصبح عابراً للحدود في زمن العولمة الذي ينطلق بسرعة البرق، وعلى عكس الأشكال الثقافية التي تتخذ من الكلمات وسيلة للتواصل، فإن الفن يمكن أن يتحول إلى لغة عالمية فاعلة يفهمها الناس جميعاً حول العالم بما يمتلكه الفن من قواسم مشتركة مع الأنماط الثقافية الأخرى، والمفارقة هنا تكمن في أن شعبية الفن قد ازدادت لأن المنتجات الفنية أصبحت أغلى سعراً، لقد أصبحت المنتجات ذات الأسعار المرتفعة تتصدر عناوين الصحف والأخبار ونشرات الأنباء، ومن ثم يتم الترويج للفنون باعتبارها سلعاً ترفيهية ورموزاً للمكانة الاجتماعية المتميزة، وإبان فترة الانتعاش الاقتصادي التي شهدتها سوق الفن فقد تمكنت شريحة الأغنياء على مستوى العالم من تحقيق أرباح بالمليارات. وفي عالم رقمي تتزايد فيه أعداد المنتجات الثقافية المستنسخة فإن المنتجات الفنية الأصلية أصبحت تماثل في قيمتها العقارات والأراضي، ولذلك يسعى الأثرياء لاقتنائها باعتبارها أصولاً ثابتة لن تذهب أدراج الرياح، ولذلك حرصت صالات وشركات المزادات العلنية على مغازلة شرائح جديدة من المجتمع لم يسبق لها أن ابتاعت منتجات فنية، وتحرص هذه الشركات على تقديم وعود للزبائن بإمكانية إعادة بيع ما اشتروه منها من تحف فنية إذا اقتضت الحاجة لذلك، ومن ثم تولدت لدى المستثمرين الرغبة في شراء المنتجات الفنية المعاصرة باعتبارها استثماراً ناجحاً، وهكذا تم جلب كميات هائلة من السيولة المالية إلى سوق الفن، وتظل القيمة الاستثمارية للمنتجات الفنية قائمة حتى في أوقات الركود الاقتصادي. إن عالم الفن بشكل عام يمثل فضاءً رمادياً يصعب تحديد معالمه، أما في المزادات العلنية التي تمثل الجانب التجاري في هذا العالم فإن الأمور مختلفة تماماً، هنا الفن إما أبيض أو أسود، بمعنى أن المزادات تسلط الأضواء على مخرجات عالم الفن فتزيل عنها الغموض والضبابية، ومن الجلي أن الفنانين والكتاب يميلون إلى إضفاء هالة من الغموض حول أنفسهم ويجدون متعة في ذلك وهم يعشقون المناطق الرمادية التي توفر لهم مناخاً مناسباً يشكلون من خلاله رؤيتهم للعالم، أما السعر الذي تحدده مطرقة الدلال في المزادات العلنية فإنه سعر ثابت ونهائي لا رجوع فيه، فلا حديث هنا بعد حديث المطرقة. إن الشوق إلى عالم الفنون يكمن في التعقيدات والتشابكات التي ينطوي عليها هذا العالم الذي يُسقط كل الحواجز والفواصل المفترضة، ففي عالم الفن لا توجد حواجز بين العمل واللعب أو بين المحلية والعالمية أو بين الثقافة والاقتصاد أو بين ماهو فني و سياسي، ولكن من المؤكد أن المرء سوف يرتكب خطأً فادحاً لو اعتقد أن القائمين على عالم الفن يؤمنون بالمساواة أو الديمقراطية، إن عالم الفن ليس مجرد مدينة فاضلة لخوض التجارب الفنية الجديدة وتبادل الأفكار ولكنه عالم يقوم على التمييز الشخصي واستبعاد الآخرين من الميدان، كما أنه مجتمع يسعى المرء فيه لتحقيق شيء من التفوق الجزئي حتى لو كان محدوداً، إنه عالم يقتضي الجمع بين أشياء متنافرة و متفرقة، وقد يفلح المرء في ذلك وقد يخرج من التجربة صفر اليدين. إن عالم الفن المعاصر هو "عالم الرُتب الرفيعة"، لقد تأسس هذا العالم على شكل نظام هرمي طبقي تحكمه الضبابية والمتناقضات فلا توجد في آفاق عالم الفن بوادر شفافية بخصوص قضايا ومفاهيم تتعلق بأمورٍ مثل الشهرة والسمعة والمصداقية والانتماء لمؤسسات بعينها والتعليم والذكاء والثروة وحجم المقتنيات والأهمية التاريخية المفترضة وما شابه ذلك، ثمة احتيالات ومؤمرات تحاك في عالم الفن والبعض يعترف باستمتاعه بها، ولكن البعض الآخر لا يروق له هذه المكائد و الدسائس التي لا يمكن تحملها لأن ظاهرها غير باطنها فهي جزء من عملية الخداع وآلية تكسير عظام المنافسين، إن عالم الفن عامة وسوق الفن خاصة هما عالمان مبهمان غامضان لا يتاح للمرء العادي الاطلاع إلا على النذر اليسير من أسرارهما، و حتى بعد أن يصبح المرء جزءاً من الدائرة الداخلية ذات الثقة سواء في عالم الفن أو في متاهة الأسواق الفنية فهذا لايعني أنه مسموح له بالاطلاع على كافة الأسرار والخبايا. إن المنهجية المتبعة في هذا الكتاب والتي تستهدف تسجيل الأحداث التي وقعت على مدار سبعة أيام في عالم الفن هي انعكاس لرؤية المؤلفة عن طبيعة المجتمع الفني الذي لا يشكل نظاماً ديناميكياً أو آلية تعمل بطريقة سلسة، ولكنه يتألف من جماعات فرعية متناحرة ومتصارعة يؤمن كل منها بتعريفات مختلفة و متباينة للفن. لقد اجتهدت المؤلفة في هذه الدراسة لاستطلاع شتى الإشكاليات التي اقترنت بعالم الفن من خلال طرح سبع سرديات ارتبطت أحداثها بست مدن تقع في خمسة أقطار مختلفة وتشتمل فصول الكتاب على تقارير تضم يوميات في كل مدينة على حدة، بالنسبة للفصل الأول "المزاد العلني" فهو عبارة عن تقرير مُفصل يصف أمسية مثيرة وقعت أحداثها داخل إحدى القاعات المخصصة للمزادات العلنية في مركز روكفيلر في نيويورك، ويرى البعض أن المزادات العلنية ليست سوى مقابر جماعية لدفن الأعمال الفنية ويعتقد هؤلاء أن المزادات تشبه معارض الجثث أو الثلاجات التي توضع فيها جثث الموتى ذوي الهويات المجهولة بينما يرى آخرون أن المزادات تمثل مناطق حرة لعرض الأعمال الفنية للمرة الأخيرة . أما الفصل الثاني (منتدى النقد الفني ) فيتناول بالدراسة والتحليل وقائع ندوة أسطورية في معهد كاليفورنيا للفنون وهو حاضنة لجميع الفنون الجميلة، و في رحابه يتحول الطلاب إلى فنانين ويتعلمون أبجديات الحرفة، و من الجدير بالذكر أن ثمة علاقة وطيدة تربط بين الثراء الفاحش في صالة المزادات والميزانية المتواضعة المخصصة لتطوير الإبداع الفني في معاهد الفنون، وتقتضي الضرورة فهم طبيعة كل منهما من أجل الولوج إلى عالم الفن وآلياته. وبشكل مماثل فإن الفصلين الثالث (معرض الفنون ) والسادس (زيارة إلى المرسم" يستعرضان إشكاليات ذات طابع تقابلي وأطروحات ذات صلات متعارضة، فالأول يتعلق باستهلاك المنتجات الفنية والثاني يتناول طرائق وسبل إنتاجها، وبينما يظل المرسم هو المكان الأفضل لفهم نوعية الإنتاج الفني لفنان واحد بعينه، فإن معرض الفنون يمثل وسيلة لتسويق المنتجات الفنية وعرضها بطريقة لا تخلو من المباهاة والخيلاء أمام الجمهور مما يشتت الأذهان ويسلب الحضور من قدرتهم على التركيز على أي عمل فني محدد. ويستطلع الفصل الرابع الفعاليات المصاحبة لمراسم منح جائزة تيرنر البريطانية يوم أن قررت هيئة المحكمين اختيار واحدٍ من بين أربعة فنانين ممن أُدرجت أسماؤهم في قائمة المرشحين، كي يعتلي المنصة ويتسلم قيمة الجائزة في حفل ينقل عبر الأثير وشاشات التلفاز، ويتطرق هذا الفصل لطبيعة المنافسة بين الفنانين وأهمية الحصول على أوسمة في مسيرتهم الفنية والعلاقات الناشئة بين الأجهزة الإعلامية والجهات المشرفة على المعارض والمتاحف الفنية. وفي الفصل الخامس (المجلة) يتم إلقاء الضوء من اتجاهات شتى على الأدوار التي تضطلع بها أقسام النقد الفني في المجلات المتخصصة ومدى نزاهتها، ويُستهل الفصل بدراسة اتجاهات المحررين الذين يعملون في مجلة آرت فورام انترناشيونال، وهي من أكبر المجلات التجارية ذائعة الصيت في عالم الفنون، ويشتمل هذا الفصل على المحادثات التي أُجريت مع كبار النقاد في مجال النقد الفني بالإضافة إلى تقارير عن اللقاءات التي تمت مع عدد من المؤرخين في مجال الفنون حيث تم الاطلاع على آرائهم و رصدها، ومن بين الموضوعات التي تم التطرق إليها في هذا الفصل دراسة تأثير صفحات الغلاف في المجلات الفنية على المتلقي بالإضافة إلى تأثير التقارير الفنية الصادرة عن مؤسسات صحفية على صورة الفن والفنانين وطريقة دخولهم إلى سجلات التاريخ الفني. وبينما تجري وقائع وأحداث الفصل السادس (زيارة إلى المرسم) في ثلاثة أماكن في اليابان فإن أحداث الفصل الأخير "البينالي" تقع في مدينة فينيسيا (البندقية) الإيطالية إبان انعقاد أقدم معرض دولي للفنون في العالم، و من المفترض أن يشجع (البينالي-معرض الفنون) روح المغامرة ويدفع عجلة عالم الفن إلى الأمام حسب وجهة نظر المؤلفة، كما ينبغي أن يقوم البينالي بخلخلة النظام وإلقاء أحجار عديدة في الماء الراكد، ليس من بين مهام البينالي استنساخ كل ما هو تقليدي محافظ ولا ينبغي أن يكون البينالي مناهضاً لكل من يسعى للمجازفة. إن الولوج إلى عالم الفن يحتاج إلى بعض المهارات النادرة ومن الصعوبة أن نطلق أحكاماً عامة على هذا العالم ومن المستحيل أن نسبر أغواره، وعلى النقيض من الذهب والأحجار الكريمة والألماس فإن الفن له قيمته الجمالية ولذلك فهو مميز ومثير للإعجاب، عندما يبيع المرء ذهباً أو ألماساً فإنه يبيع شيئاً ما ولكن عندما يبيع المرء فنه أو إبداعاته فإنه يبيع نفسه، هذا هو الفارق بين الفن والمقتنيات الثمينة الأخرى. مؤلفة الكتاب سارة نورنتون باحثة وأكاديمية وصحفية كندية شهيرة، تقيم في لندن، حاصلة على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع، ولها دراسات وبحوث في تاريخ الفن، شغلت عدة مناصب أكاديمية في الجامعات البريطانية، كما أن لها سلسلة من المقالات والدراسات عن تاريخ الفن نشرت في أهم الجرائد والمجلات الغربية مثل: آرت فورام إنترناشيونال والغارديان والإيكونومست والصنداي تايمز، نشرت في عام 1996 كتاباً بعنوان "نادي الثقافة" يتناول تاريخ الثقافة البريطانية المعاصرة، ومن أهم مؤلفاتها كتابها هذا، والذي ترجم إلى العديد من اللغات. مترجم الكتاب د.صديق محمد جوهر حاصل على درجة الليسانس في اللغة الإنجليزية من جامعة عين شمس في القاهرة عام 1981 وعمل معيداً في الجامعة نفسها، ثم حصل على درجتي الماجستير و الدكتوراه في الأدب الإنجليزي بتقدير امتياز من جامعة إنديانا في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم تولى تدريس مادة الترجمة في بعض الجامعات العربية كما عمل مترجماً فورياً وتحريرياً لدى بعض الجهات الحكومية في الوطن العربي والعالم، وهو عضو في العديد من جمعيات الترجمة في أوروبا وأمريكا الشمالية .. له العديد من الأوراق البحثية والدراسات المنشورة في كبرى الدوريات العالمية المحكمة في الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا ودول أوروبية عديدة، بالإضافة إلى عدد من الأعمال المترجمة إلى العربية والإنجليزية. الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الأربعاء 25-01-2012 08:36 مساء
الزوار: 1539 التعليقات: 0
|