نظم ملتقى إربد الثقافي مساء أول أمس، في مقره أمسية شعرية للشاعرين: روان هديب وحسن البوريني، وحضر الأمسية جمع من المثقفين والمهتمين، البوريني الذي تولى إدارة الأمسية والمشاركة حيث قدم بداية الشاعرة هديب تقديما يليق بشاعرة لها خصوصيتها في المستقبل على خارطة الشعر المحلي والعربي.
واستهلت هديب القراءة بعدد من القصائد من مثل:»أشياء لم تؤخذ أبدا في الحسبان، ما بعد الوصول،  قبل أن تتآكل، تعبئة استمارة الوجود، واحتجبني « شاعرة مشغولة بالتفاصيل الدقيقة للحياة وممعنة الذاتية - ذاتية الشاعرة المحتشدة بالقضايا الكثيرة التي تصب في الشأن وقضايا المرأة والعشق الروحانيّ، قصائدها محكمة البناء واللغة العالية، حيث نلاحظ أنها تمسك بخيط القصيدة لتضع القارىء في الدهشة من خلال قفلات قصائدها التي تحاكي المشاعر وتقف بذكاء على مفاصل الحياة وشؤونها وتوقعنا في كهربتها.
من إحدى القصائد التي قرأتها تقول:»أبناءُ هذا الظلامْ/ وأورثـَنا الليلُ حسَّ التيقظِ/ كي لا نُراوَدَ عن حلمنا إنْ غفـَونا/ فنرتاح مثل الخيولِ وقوفاً/ ونحلمُ.../ لكننا لا ننامْ»، وتمضي في قراءة الواقع محاولة كشف الحقيقة - حقيقتنا لتصل بنا عبر رؤاها إلى علاماتنا الفارقة.
في قصيدتها المسماة «قبل أن تتآكل» تقول: «نحنُ لسنا سوى/ ما تيسّرَ من فهمنا لحقائقنا المـُطلقة ْ/ نحن لسنا سوى/ كلْمةٍ قد تجاوزَ عنها مسار الحديثِ/ فماتتْ على الشفَةِ المـُطبِقة ْ/ نحن ما قد تساقطَ منا بدربِ الرحيلِ/ وما قد جمعنا قُبيلَ الوصولِ/ ونحن بداياتُنا الصادقة ْ/ نحنُ/ - إن جازَ جمعُ الأنا -/ كلّنا/ ما يميّزُنا من علاماتِنا الفارِقة»
وتذهب بنا الشاعرة هديب تجلياتها في «وصية حرّاث بلا ميراث» التي تقولها:»يا أيها الحرّاثُ/ ليس هناك أثقل من ترابِ الأرضِ في ميزان عشّاقِ البلادِ/ فإذا أتاكَ زمان بيع الأرضِ/ فلتقبض على جمر الترابِ/ ولا تساومهم عليها في المزادِ/ إن قيل أنّ الكُفر في بعضِ العنادِ/ فقُل لهم:- في مذهب الأوطانِ - فالإيمانُ في بعض العنادِ». أما الشاعر البوريني صاحب ديوان «عتاب الساقيات»، قرأ جملة من القصائد هي:» عيناك، قصيدة عالقةٌ، وحدي ، وأحدي يا عراق،  إلى طفلٍ.. أضاعَ الطفلَ في غزّة، نشأة الدّيوث، والحظّ الكسيح»، كعادته يأخذنا على أجنحة قصائده إلى عوالم كثيرة لا تخلو من تشظيات الروح وانعكاستها على المعطى اليومي، حيث يمضي بنا البوريني أيضا إلى جراحات العراق وفلسطين والطفل الغزيّ، وإلى تلك العيون التي يفتش عنها في ثناياه، ضمن هذه الرؤى وهذا الإبحار في العديد من القضايا الإنسانية والذاتية والوطنية وضمن مخيلة مشبعة بمعنى التفاصيل يعاينها ويرسمها من خلال بناء درامي آخاذ يستقرىء دواخل النفس البشرية بصدق القول الشعري.
من قصيدته «عيناك»، نقتطف منها:»فَتشتُ عَن عينيكِ في أعـماقي/ كيفَ أختَفَتْ يا حلوةَ الأحـداقِ/ بَل كيفَ شاغلتي الفؤادَ بِنظـرةٍ/ ونسجتِ مِن خيطِ النّوى أطـواقي/ أبقيِتِ حبري باهتاً مِن لونـِهِ/ وقَتلتِ مِن فجرِ الأسى ورّاقي/ أنا ما قَصدتُكِ طالباً أن تشفعي/ فأنت أولى الخَلقِ في إحـراقي/ لكن ليلَ العاشـقين قَد انقضى/ وتَغيّبوا عن قهوتـي طُرّاقي/ فعلامَ موجُك لا يَرِقُّ لساحلي/ إيــلامَ  يطلبُ جـاهِـداً إغراقي».
ومن قصيدته «عالقة» ضمن سرد شعري لا يخلو من القصّ،  يقول فيها:بليلةٍ شتويةٍ/ والرِّيحُ تَستهوي البُكاءَ/ على شَبابيكِ العُبورْ/ والوقتُ بكّاءٌ بحرقةِ مُجهَدٍ/ والدّمعُ فَي المَحابِرِ/ والسُّطورْ/ والصّمتُ يندبُ صَمتهُ/ والعاشقونَ تزمّلوا بالصّبرِ صَبراً/ والقصيدةُ خانها البوحُ احتضاراً/ مِن تصاريفِ الشُّعورْ/ فكيفَ أستجدي البعيدَ من القريبِ مَلالَةً/ وأنا الجريحُ وأدّعي بالقولِ جَابرةَ الكُسورْ/ ما مِن جَسورٍ في الحَشا فلتهدأي/ مَا مِنْ جَسورْ». 
وختم قراءته بقصيدة «وحدي..وأحدي يا عراق»، التي يستحضر فيها جرح العراق، نقتطف منها:»وحدي بليلِ اليمِّ/ كالهَمّ الوحيدْ/ تمضي الرّياحُ بخاطري لِمغبّةٍ/ وتعودُ  بي من غُربتي/ تيكَ الرّياحُ ِما تُريدْ/ وأنا ألِفتُ البحرَ في سكراتِهِ/ وشربتُ ِمن دَنِّ الرّصافةِ خمرَها/ المسفوحَ مِن زِقِّ الوريدْ/ فكيفِ تستجدي اللفيحَ/ ونخلُ أهل البّصرةِ/ قَد أضحى شريدْ/ يبعثُ المرسالَ من فلوجةٍ/ فيخونُ في الأنبارِ حَمّالُ البريدْ».