عمان : لا نبالغ إذا قلنا إن محمد زفزاف القاص الرائي الراحل (1945- 2001) أشهر كتاب المغرب في المشرق العربي، والكتاب الذي جمع مادته، وبوبه، وحرره، وأشرف على طباعته ونشره عن المكتبة الوطنية في الرباط القاص الروائي الناقد أحمد المديني بعنوان محمد زفزاف صنعة كاتب (2017) دليل وفاء لمبدع رحل عنا، وفقدناه وهو في أوج عطائه، وذروة إبداعه، وهو كتاب يقع في ( 216) صفحة من القطع الكبير، يضم بين غلافيه عشر دراسات وخمس شهادات فضلا عن مقدمتين، إحداهما لمصنف الكتاب، والأخرى لأحمد بو زفور المتابع الدقيق لاثار محمد زفزاف. ففي مقدمته يؤكد المديني أن الكتاب ما هو إلا تعبير عن رغبة قوية، وبادرة أقوى، للحفاظ على الذاكرة الثقافية الإبداعية في المغرب في وقت غدت فيه تلك الذاكرة مهددة على أيدي المتشاعرين والمتقاصين. ويؤكد بوزفور في مقدمته أن صدور هذا الكتاب في ذكرى الأديب  السادسة عشرة معناه أننا نتذكر مبدعا منحازا للفئات المسحوقة، والمهمشة، معبرا عن مصالحها من جهة، متصديًا للسلطة من جهة أخرى.
وكان القاص محمد زفزاف ولد في بلدة سوق أربعاء الغرب عام 1945 ولكنه قضى ردحا من طفولته وصباه في مدينة القنيطرة، ودرس فيها قبل أن يلتحق في العام 1965 بكلية الآداب بالرباط ليدرس الفلسفة، بيد أنه للأسف لم يواصل الدراسة، ليعين مدرسا في إحدى الثانويات في الدار البيضاء، على كثب من حي المعاريف الذي اتخذ منه مستقرا لم يغادره حتى وفاته إلا في زيارات قصيرة لبعض المدن كالجديدة، وطنجة، وبعض العواصم العربية للمشاركة في ندوات أدبية، ومؤتمرات. وقد بدأ حياته شاعرًا، ونشر بعض قصائده في جريدة العلم الناطقة بلسان حزب الاستقلال، ونشر قصائد أخرى ومقالات وترجمات وخواطر في دوريات مغربية وعربية، لكن الذي غلب عليه، وعلى بواكيره الأدبية هو القصة القصيرة قبل أن يتحول عنها إلى الرواية. ففي العام 1970 صدرت أولى مجموعاته القصصية بدمشق بعنوان حوار في ليل متأخر. وصدرت بعدها بيوت واطئة 1978 والأقوى 1978 وتوالت بعدها المجموعات: الشجرة المقدسة، 1980 فالمجموعة غجر الغابة 1952 فالمجموعة ملك الجن 1988 والملاك الأبيض 1988 والعربة 1993 وبائعة الورد 1996 أما روايته الأولى، فكانت رواية المرأة والوردة 1972 وقد نشرت بادئ الأمر في مجلة شعر اللبنانية، ثم ظهرت في كتاب، تبعتها رواية أرصفة وجدران التي نشرت في بغداد1974 ثم توالت بعد ذلك رواياته قبور في الماء 1978 والأفعى والبحر 1979 وأعيد نشر رواية» المرأة والوردة « في طبعة ثانية 1981 تلت ذلك رواية بيضة الديك 1984 ورواية محاولة عيش 1985 والثعلب الذي يظهر ويختفي 1989 والحي الخلفي 1992 وأفواه واسعة 1998 وكتبَ نصوصا مسرحية منها: بيت الرامود 1969 وما حدث للشاعر فرنسيس جام،1976 ومسرحية أسماك وعصافير ملونة. 
تناول الدارسون في هذا الكتاب التذكاري جوانب مختلفة، وأبعادا متباينة من آثاره، فتوقف إدريس الناقوري - وهو باحث جامعي وناقد- إزاء التجربة القصصية للراحل الكبير، مؤكدا أن هذه التجربة تتطلب إعادة النظر، سواء من حيث التحليل النقدي التطبيقي، أو من حيث الوقوف على ما فيها من مفاهيم للشخصية، والحبكة، والوقائع، مما هو قريب أو بعيد من فكرة التجنيس، ومن نظرية التلقي. أما دراسة محمد أنقار - وهو روائي وباحث جامعي-  لرواية المرأة والوردة 1972 فقد خلص منها بنتيجة على جانب كبير من الأهمية، فهي رواية تتضمن لحظة تنوير، كما لو كانت تفريجًا عن عقدة ذاتية مفترضة، تجتمع فيها، وتتفاعل، كل الاختلافات، وكل التشابهات، وكل التطابقات.
ويتناول نور الدين درموش عددًا من رواياته، كالحي الخلفي، والأفعى والبحر، وبيضة الديك، والثعلب الذي يظهر ويختفي، علاوة على روايته المبكرة « المرأة والوردة «, وتمثل رواياته هذه لحظة التقاء فريدة بين الرواية المغربية والرواية العربية، إلى جانب التقائها بالرواية العالمية أيضا، نتيجة الانفتاح الذي عم المثقفين، والمبدعين المغاربة، مما طبع الروايات الصادرة في سبعينات القرن الماضي بطابع التحرر من التقاليد الجامدة، والتفلت من المنظومة الثقافية، والأخلاقية السائدة. وحول جماليات التشكيل القصصي لدى زفزاف يكتُب مصطفى جباري - وهو باحث جامعي- دراسة طويلة، يوضح لنا فيها أن ثمة خيطا فنيًا ينتظم نصوص الكاتب الراحل، وهذا الخيط الفني يشمل الشخوص، والأماكن، واللغة، والأحداث، مما يترك بصمة له خاصة تميزه على غيره من كتاب المغرب، وتجعل من توجُّهه القصصي توجها أدبيا فريدا، قائما بذاته، على مستويات عدة، أبرزها: المستوى الجمالي لآثاره السردية، إن كانت من القصص القصيرة، أو الروايات.
ويرى صدوق نور الدين- وهو روائي وناقد أدبي- في دراسته الموسومة بالعنوان « مغامرة الكتابة وإشكالية التلقّي « أن تجارب زفزاف في القصة، والرواية، بُنيت على أساس الوعي بعفوية الكتابة، وتلقائيتها التي تقوم على الانتقاد المباشر للواقع، وللظواهر المجتمعية، بأسلوبٍ غير مباشر، على الرغم مما يجده القارئ فيها من أقنعة أوتو- بيوغرافية، يحيل الإيهام فيها إلى التماهي بشخصية الكاتب. وعن الرواية عندما تفكّر بالروائي يكتب محمد الزموري - وهو أيضا باحث جامعي- عن ظاهرة تجاوُر النصوص، وتواشج الروايات، ومضارعة العمل الأدبي عملا آخر حتى كأنه هو. والنص الذي يجد فيه الزموري نصا مشاكلا لإحدى روايات زفزاف، هو « الروائي « لصدوق نور الدين. ففي هذه الرواية يطالعنا مؤلفها بمشاهد تعمل فيها الذاكرة السردية على استعادة كيفية كتابة النص الآخر، وهو هنا « الثعلب الذي يظهر ويختفي « لمحمد زفزاف، فيما يُعرف بتقنية الميتا- سرد، أو القصة داخل القصة..مقدمًا مادة سردية جديدة، تتخللها، أو بكلمة أدق، يستقي مادتها الأساسيَّة من رواية أخرى. 
فهي، في رأيه، لا تعدو أن تكون صياغة أخرى لعالم زفزاف الروائي، مثلما يتجلى في رواية الثعلب الذي يظهر ويختفي.
وقد انفرد حسين بوتكي - وهو أيضًا باحثٌ جامعي- بتناول صورة زفزاف في الاستعراب الإسباني المعاصر. مشيرًا لاهتمام المستشرق فرناندو راموس، الذي نشر كتابًا عن القصة القصيرة المكتوبة بالعربية في المغرب، ضمنه فقرات عن قصص محمد زفزاف، يؤكد فيها تأثره ببعض أعمال كافكا، وكامو، وجويس، وبروست، وأخيرا هيمنغوي.ولا تخلو آثاره أيضا من بصمات نجيب محفوظ، ويحيى حقي، ويوسف إدريس. يقول راموس في اقتباس مطول لحسن بوتكي: « في قصص زفزاف نوع من التحرُّر من القيود، وهذا التحرر يمنح هاتيك القصص أفقا يجعل منها أحيانا أعمالا تخييلية مستقلة عن الكاتب، وهذا يثبت أن لدى الكاتب وعيًا إبداعيًا مرتبطا بالوعي الاجتماعي، لكنه مستقل «. أما المستعربُ غونزالو فرنانديث، فقد أفرد حيزًا كبيرًا في كتابه عن الأدب المغربي المعاصر (2006) للحديث عن قصص محمد زفزاف، مشيرًا إلى ما في رواياته من إضاءة يُلقيها على علاقة المغربي بالآخر الغربي.
وتضمنت الدراسات أيضا بحثًا في مجموعة زفزاف الموسومة بالعنوان « الأقوى « لصاحب هذه السطور (من ص80- 92) وشهاداتٍ مؤثرة لكل من عبد الرحمن مجيد الربيعي - قاص وروائي عراقي- ، الذي كان قد عرف الراحل منذ العام 1976 عند زيارته للمغرب، وقد امتدت الصداقة بين الكاتبين إلى أن توفي الأخير في 13 يوليو 2001. أما محمد عزالدين التازي - وهو قاص وروائي- فقد فاض حديثه عن الكاتب بالذكريات التي لا تخلو من حشرجة دامعة. وإلى هذا يتوجه يوسف فاضل - روائي- في شهادته القصيرة عن حكايات الإنسان المفترس. يقول صاحب الشهادة عن لغة محمّد زفزاف « في كل جملة من جمله نجد ضحكته الساخرة، والعبثية، واللامبالية. لأن زفزافًا كتب عن الأشياء البسيطة التي ظلتْ تسكننا منذ بداية الوعي الإنساني، وستظل تسكننا، حكاياتُ زفزاف هي حكاياتنا، حكاياتُ الإنسان المفترس». أما إلياس فركوح - قاص وروائي أردني - فيتضح من شهادته أنه لم يعرف محمد زفزاف معرفة شخصية، وإن كان قد تعرف عليه مما قرأهُ له من قصص، وروايات « لم أعرف محمد زفزاف على الصعيد الشخصي، وهذه بالنسبة لي إحدى خساراتي الكثيرة، عرفته نصوصًا قصصية، وروائية، وربما في هذه المعرفة شيءٌ من التعويض، أو تعزية بمعنى ما، أو تأكيدٌ لحقيقة أن الفرد منا ليس بمقدوره حيازة كل ما يتوق له، ويرغب فيه، تُقْتُ لمعرفته لكثرة ما قرأت عنه، وما سمعتُ به عن خصاله الشخصية، وعاداته في الكتابة، وطقوسه، وللتحديد؛ كانت رواية صدوق نور الدين (الروائي محمد زفزاف يكتب رواية الثعلب الذي يظهر ويختفي) التي شرفني بكتابة التقديم لها، حين نشرها عام 2011 باعثةً لي لأحاول فهم هذا الإنسان «. 
وفي نهاية المطاف، وتأكيدا لوفاء المصنِّف، تأتي شهادة المديني، وهي شهادة تتضمَّن علاوة على ما سبق، وصفًا مؤثرًا للحظات الأخيرة من حياة الكاتب الراحل، بما فيها من المؤلم، والفاجع، رحم الله الكاتب محمّد زفزاف.