|
عرار:
رغم حرمانه من نعمة البصر في السادسة من عمره، فإن الجزائري نبيل غندوسي تميز وحلّق عاليا في سماء الأدب والشعر، حتى بات مثالا للإصرار والتحدي والمثابرة. غندوسي الذي أبصر النور في أكتوبر/تشرين الأول 1976، لم يكتب له القدر أن ينعم ببصره طويلا، ففي سنوات عمره الأولى وتحديدا في السادسة منها، سلبت منه هذه النعمة بعدما أصابه مرض في عينيه لم تنفع معه عمليات الجراحة المتكررة، وكتب له أن يحيا ما بقي من حياته ضريرا فاقدا البصر. ولأن الإعاقة -حسبه- هي إعاقة الفكر لا البصر، فقد نجح ابن مدينة سطيف (300 كلم شرق العاصمة الجزائر) في المضي قدما بحياته، ونجح في تدوين سجل حافل بالنجاحات أكاديميا وإبداعيا. ورغم المتاعب التي واجهها باكرا في سبيل دراسته، حيث كانت الكتب الخاصة بالمكفوفين مفقودة تماما في مراحل تعليمه الأولى، فإنه استعاض بنعمة السمع على نعمة البصر التي حرم منها، فكان الاستماع المكثف لمختلف البرامج الثقافية والأدبية التي تبثها الإذاعات المحلية والعربية؛ الوسيلةَ التي صقل بها موهبته، وأثرى بها رصيده اللغوي والمعرفي. وأحيانا أخرى بحسب ما روى "يحدث أن يتكرم عليه صديق أو زميل بتلاوة نص شعري، أو قراءة نص أدبي، فيكون بذلك من المحظوظين، وله من الشاكرين". ندرة الكتب لم توهن عزيمته ولم تُثن إرادته، بل واصل تحصيله العلمي، فكان تخرجه من معهد الشريعة بجامعة باتنة حاملا شهادة الليسانس في الشريعة والقانون أحد التحديات التي رسمت معالم حياته فيما بعد. سجل أكاديمي ورغم أن أبواب المحاماة فتحت له على مصراعيها، فإنه اختار طريقا آخر بالانتساب إلى قطاع الثقافة والأدب، وأصبح منذ العام 2005 رئيسا لمكتب دعم الإبداع والفنون الثقافية بولاية سطيف. غير أن عمله في قطاع الثقافة وانشغاله بتنظيم الندوات والأمسيات الأدبية والفكرية والتاريخية، لم يشبع نهمه للأدب والشعر، فسارع إلى تأسيس جمعية "النبراس الثقافي" التي يترأسها منذ تأسيسها. الجمعية -من خلال حديثه- عملت على لمّ شتات الأدباء ودعوتهم إلى ملتقيات وحلقات أدبية مستمرة، كما عملت على إبراز الأدباء الشباب والتعريف بأعمالهم وإبداعاتهم، وساهمت في طبع عشرة أعمال شعرية وروائية. وقبل تأسيسه للنبراس الثقافي، كان غندوسي من مؤسسي رابطة الإبداع الثقافي، وكان يطل على مستمعي إذاعة "الهضاب" المحلية ببرامج ثقافية وأدبية متنوعة، منها "أحاديث في الثقافة والمجتمع"، و"همسات ثقافية". ومن خلال إشرافه على نادي الإبداع الثقافي لدار الثقافة "هواري بومدين"، ساهم في تنظيم أكثر من مئة تظاهرة ثقافية منذ عام 2005، كما ساهم في تنظيم عدة ملتقيات دولية، أبرزها ملتقيات الشيخ الفضيل الورتيلاني، أحد علماء الجزائر البارزين. مساعدة الآخرين وإلى جانبه نشاطاته الثقافية والأدبية، أخذ غندوسي نصيبا من الشعر وأصدر مجموعتين شعريتين: الأولى "سفر في زورق الألم" (2005) والثانية "أبرياء معذبون" (2009). وعن تجربته الشعرية، كشف غندوسي عن تأثره البالغ بشاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا، وقال إن ما يكتبه يرتبط بما عاشه الجزائريون في سنوات الموت والدمار في مرحلة التسعينيات التي كانت تسمى العشرية الحمراء. وشدد على أن "مشاعر الألم والحرب التي عاشها الجزائريون في هذه المرحلة كانت هي المؤثرة والغالبة على نفسية الأديب والمثقف الجزائري، لذلك كتبنا عن هذا الوطن بألم وحرقة". غندوسي بعمله وتفانيه وإرادته استطاع أن يكسب حب كل من يحيط به، ووصفه الشاعر والناقد علاوة كوسة بأنه "شخصية فعّالة نادرة علينا أن ننصفها ونَفِيها حقها"، واعتبره "مثقفا بحجم الوطن، وفعّالا يفوق فعالية العديد من المؤسسات الثقافية، فعلى مدار سنوات من التنشيط والفعل الثقافي استطاع أن يكرس لفعل ثقافي جاد في ولاية سطيف وفي الجزائر كلها". وأكد كوسة أنه "من النادر أن يجمع الإنسان بين صفات عديدة نادرة لا تتغير ولا تندثر رغم الظروف والمواقف والوقفات في هذه الحياة". الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الأحد 18-02-2018 08:46 مساء
الزوار: 5633 التعليقات: 0
|