|
عرار:
توجد جذور عربية لمصطلح(التناص) انطلقت صباح اليوم الأربعاء في بيت الشعر بالشارقة على مدى جلستين، فعاليات الندوة النقدية الثانية ضمن ندوات مهرجان الشارقة للشعر العربي والتي كانت بعنوان التناص في الشعر العربي” شارك في الأولى كل من: الدكتور محمد منور من السعودية، والدكتورة نانسي ابراهيم من مصر، والدكتور حكمت النوايسة من الأردن، أما الجلسة الثانية، فشارك فيها كل من: الدكتورة زهور كرام من المغرب، الدكتور فؤاد شيخ عطا من السودان ، الدكتورة بسمة عروس من تونس. تناول د. محمد المنوّر في الجلسة الأولى التي أدارها الناقد نواف يونس التناص وتوظيفاته من خلال استلهام القصيدة المعاصرة للشخصيات التراثية، والتناص معها، وتأويلها، وتوظيفها لتعبّر من خلال تلك العملية التناصية التوظيفية عن رؤيتها للحياة ، ودراسة ما نتج عن هذه التقانة الإجرائية، والتجربة الفنية في شعرنا المعاصر من تأويلات صحيحة للتراث، وأخرى خاطئة، وتحليل ذلك تحليلاً فنياً ؛ من أجل الكشف عن الشروط، والمعايير الفنية التي يجب أن تحكم هذه التقانة الفنية، وما تقوم عليه من تناص مع التراث، وتأويل له من منظور النقد الأدبي، وبنائه المنهجي، وجدوى تلك العلاقة الفنية، ومكتسباتها الدلالية، والجمالية، تقنيات تلك العلاقة التأويلات الخاطئة التي نالت جزءاً مهماً منها، وأدخلتها في مزالق فنية ومنهجية، وانحرفت بها، وبدلالاتها الأصلية، فأحدثت فيها فوضى فنية، ومضمونية ، وقد توجهت الدراسة إلى أهم عنصر من عناصر التراث نالته تلك المزالق، ووقع فيه الاضطراب التناصي والتأويلي وهو الشخصيات التراثية. فالبحث يسعى إلى تصحيح مسار هذه التجربة، وتنقيتها نقديا، ومنهجيا، بالكشف عن الشروط، والمعايير الفنية التي يرتضيها النقد الأدبي ومناهجه لتحكم جماليات العملية التناصية والتأويلية، والتوظيفية بين التراث، والقصيدة المعاصرة من أجل الحفاظ على مكتسبات هذه التجربة وتجنب مزالقها الفنية والدفع بها نحو تحقيق المزيد من التطور والنضج الجمالي”. أما د.نانسي إبراهيم فقط لاحظت وجود جذور عربية لمصطلح(التناص) عندما أجرت مقاربة له ببعض المفاهيم البلاغية القديمة، “كالسرقات الشعرية، والأخذ والعقد، والحل، والمفاوضة.. وغير ذلك من المصطلحات التى استخدمها النقاد والبلاغيون العرب منذ قديم الأزل معولين استخدامهم على الجانب الأخلاقي للفظ السرقة، حيث قسموا (السرقة) نفسها إلى سرقة محمودة وسرقة محضة مذمومة، وكثيرا ما انتصر نقاد الموازنات والمفاضلات، والوسائط للشاعر اللاحق أو السارق الحاذق، وكان (حازم القرطاجني) يسمى هذا اللون من الأخذ (مفاوضة)، وكثيرا ما أبرزت تعليقات النقاد وعيا كبيراً بجماليات الأخذ وجودة التوظيف، ولقد كثرت الدراسات الأدبية التى تناولت التناص لغة واصطلاحا، والتى لن نقف كثيراً عندها إلا بإشارات بسيطة لمفهوم (النص) لغة في الثقافة العربية القديمة، حيث تطالعنا المعاجم العربية بأكثر من معنى لكلمة (نصَّ)، فالنصُ في (لسان العرب) “رفعك الشئ، ونص الحديث، بنصه نصا: رفعه، ونص المتاع، جعله بعضه على بعض، ويقال: هذه الفلاة تناص أرض كذا وتوازيها” وأضافت”نستطيع أن نجمع التعريفات السابقة في مفهوم محدد للنص، وهذا المفهوم يقودنا إلى التراكم والمجاورة والاتصال، والاستقصاء حتى الوصول إلى غاية الشئ ومنتهاه “وربما كان أكثرها اتصالا بالمنطقة النقدية هو دلالتها على عملية (التوثيق) ونسبة الحديث إلى صاحبه، وذلك عن طريق متابعة ما عند صاحب الحديث لاستخراج كل عناصره حتى بلوغ منتهاها” ثم رصدت د.نانسي تجليات التناص القرآني في القصيدة العربيةالمعاصرة(سورة يوسف) نموذجا، ولاحظت كثرة النماذج التطبيقية التي تدور حول الشعراء الأشهر في توظيف الموروث بأشكاله التاريخية والدينية مثل أمل دنقل، وصلاح عبدالصبور، ودرويش وغيرهم، وتعد سورة (يوسف) من النماذج الثرية المختزنة في الوعي أو اللاوعي الجمعي كنموذج جامع لعناصر القص والحكي مزدحم بالفكرة والحدث والشخوص والتشويق، وقابل في الآن نفسه لإعادة التوظيف والإسقاط الآني بصورة لا متناهية الزوايا، وقد تخيرت الباحثة ثلاث قصائد غير متصلة بجغرافيا محددة، قدر ما تعتمد علي الذائقة الشخصية بتحليل موضوعي؛ أما الأولي فهي قصيدة (نسوة في المدينة) للشاعر السعودي أحمد قرآن الزهراني، مع إلقاء الضور علي قصيدة (وقال نسوة) روضة الحاج باعتبارها صورة للذات الأنثوية في مقابلة ذات الرجل، معتمدة علي النص القرآني، والقصيدة الثانية هي قصيدة (قمصان يوسف) للشاعر اللبناني (شوقي بزيع)، أما الثالثة فهي (الباب يطلبني للدخول) للشاعر الإماراتي (محمد عبدالله البريكي) في توظيفيات حداثية تستلهم سورة (يوسف) عليه السلام، وتختلف عن نظرة القدماء الذين كانوا يستخدمون التراث كقشرة للحماية والاستشهاد، دون امتصاص وتذويب آني. واستعرض د.حكمت النوايسة تاريخ مصطلح التناص، فقال “ظهر للمرّة الأولى على يد الباحثة الفرنسيّة جوليا كريستيفا، في عدة أبحاث لها كتبت بين 1966-1967م، وتناوله النقاد، وشابه الغموض، والتشويش حتى عام 1976 عندما نشرت مجلة ( ويبتك ) الفرنسية عددا خاصا من إشراف ( لوران جيني) حول التناصات، حيث اقترح جيني تعريف التناص بــ ” عمل تحويل وتمثيل عدة نصوص يقوم بها نص مركزي يحتفظ بزيادة المعنى”، وتساءل”هل يعني علاقة النص بنصوص أخرى ؟ هل يعني التفاعل؟ هل يعني التعالق المقصود مع نصوص أخرى ؟ أم هو دراسة التعالق نفسه؟ وأجاب ” هذه الأسئلة حاول بعض النقاد العرب الإجابة عنها من خلال محاولاتهم دراسة العلاقات النصيّة في الأدب العربي؛ فمحمد مفتاح في كتابه ( تحليل الخطاب الشعري- استراتيجية التناص-) يقول: ” إن الدارسين – ما عدا بعض الاتجاهات المثالية – يتفقون على أن التناص شيء لا مناص منه؛ لأنه لا فكاك للإنسان من شروطه الزمانية والمكانية ومحتوياتهما، ومن تاريخه الشخصي، أي ذاكرته، فأساس إنتاج أي نص هو معرفة صاحبه للعالم، وهذه المعرفة هي ركيزة تأويل النص من قبل التلقّي أيضا” وفي الجلسة الثانية التي أدارتها الباحثة السعوديّة مستورة العرابي تحدّثت د. زهور كرام عن (التناص وسؤال الشعر) منطلقة من علاقة الشاعر باللغة كونه يكتب من داخلها، وبها، فوضعية اللغة في الشعر، والفضاء النصي للقصيدة، وموقع الشاعر في اللغة، ووضعية الاستعارة كلها عناصر جعلت التناص أمرا يدعو إلى التفكير فيه مع الشعر، والتناص إجراء تقني، وإبداعي، وثقافي يحقق التواصل بين الحضارات، والمجتمعات، والنصوص، يعبّر عن عن مبدأ الاستمرارية ،والشراكة ، التناص ليس مجرد تقنية في الكتابة، إنما هو فلسفة حول معنى وجود الفعل الرمزي الذي لن يُنتج فرد، وهو الكاتب ،إنّما هو تفاعل بين كلّ النصوص،والمعارف”، وأشارت” إن تداخل النصوص، والخطابات في مساحة السرد طرح تحديا أمام الشعر، نظرا للطبيعة الغامضة للخطاب الشعري،وبالتالي فعلاقة الشعر بالخطابات الأخرى تظل معقدة “ ورأت د. بسمة عروس أن ” أشكال التناص في القصيدة العربية مختلفة، ومتنوعة، ولذلك يكون البحث في أحد أنواعها، والتحقيق في وجوهه أكثر نجاعة في تقديم فهم افضل لظاهرة قديمة قدم الشعر نفسه ألا وهي التضايف بين النصوص والأخذ و السرقة بالمفهوم النقدي، والبلاغي القديم، والتحويل، والاستدعاء، أو البين خطابية بالمفهوم الخطابي، والعلمي، أو كما هو معروف في راهن الدراسات الأدبية . و قد اخترنا أن ننظر في أشكال التناص القرآني في القصيدة الحديثة بوصفها من المظاهر التي رافقت النص الشعري عبر تحولاته المختلفة، ولكنها تكتسي في النص الشعري الحديث صبغة خاصة تتجاوز في رأينا المفهوم المباشر للتضمين والحلول داخل سياق نصي جديد إلى مفاهيم جديدة للتداخل بين النصوص منها ما نسميه بتوسيع شعرية القناع القائم على مبدأ الاستعارات الكبرى ورفدها باستعارات جزئية ومنها ما نسميه بالتضمين الانعكاسي . ويدخل هذا الافتراض النظري في إطار العودة بالتناص إلى أصوله المعرفية الأولى، ونعني بذلك التعامل معه بوصفه ظاهرة بيناخطابية تتجاوز الطرح البلاغي أو الإنشائي وتخرق التناصية الضيقة أو المحدودة . وقال د.فؤاد شيخ الدين “التناص الأدبي عموماً هو إحالة نصّ ما إلى نصّ آخر أو نصوص أخرى، بحيث يتوقف فهم النصّ الأول ـ إلى حد كبيرـ على فهم النصوص الأخرى التي تمت الإحالة أو الإشارة إليه، بمعنى أن مصطلح التناص يُطلق على تداخل النصوص الأدبية عموماً ” ففي رأي جوليا كرستينا أنّ كل نصّ “هو عبارة عن لوحة فسيفسائية من الاقتباسات” وكل نصّ هو تشرّب وتحويل لنصوص أخرى. “وعند ليتش أنّ النصّ “ليس ذاتاً مستقلاً أو مادة موحدة، ولكن سلسلة من العلاقات مع نصوص أخرى…إنّ شجرة نسب النص حتماً لشبكة غير تامة من المقتطفات المستعارة شعورياً أو لا شعورياً.. وكل نص حتماً نصّ متداخل” وطبقاً لتعريف شولز فإن المبدأ العام في مصطلح التناص يتلخص في أنّ النصوص تشير إلى نصوص أخرى مثلما أنّ الإشارات تشير إلى إشارات أخرى، وليس إلى أشياء معينة مباشرة،والفنان يكتب ويرسم لا من الطبيعة وإنما من وسائل أسلافه في تحويل الطبيعة إلى نصّ. لذا فإنّ النصّ المتداخل هو نص تسرب إلى داخل نص آخر ليجسد المدلولات ، سواء وعى الكاتب بذلك أو لم يعِ”، واستنتج أن كلّ التعريفات أعلاه تتشابه وتتلاقى في فكرة واحدة هي فكرة تداخل النصوص وتلاقحها. مصدر : وكالة انباء الشعر الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الأربعاء 10-01-2018 07:47 مساء
الزوار: 1208 التعليقات: 0
|