عرار:

صدر حديثاً عن دار غوايات في بيروت للشاعر أنور الأسمر ديوانه الجديد « بكى نصف الكلام»، ويقع الديوان في «123» صفحة من القطع الوسط، ويضم بين غلافيه «17» قصيدة، وضع فيها الشاعر الصورة الشعرية وأذرعها الدرامية في مواجهة الفكرة، مستعيناً بالمساحات الإيقاعية التي تنسجها جملة التوازنات بين الصوت الموسيقي والدلالة الإيقاعية للألفاظ.

في ديوانه الجديد تتكاثف صورة المرايا والأنثى، وتتسع المآرب التي يستدرجها الفعل الشعري، إذ يلقي الشاعر السمع لكلّ المفردات التي يقع على عاتقها حمل الموضوع، فالمرايا جهة للانعكاس، وغاية لاستدراك الشكل، وميقات للرؤى، كما أنها صورة للتشظي، ومادة للانحياز إلى الحقيقة، فيما تحمل الأنثى صورتها في النصوص كما هي، أنثى عالقة بين حرف الشاعر وحرف الانتباه إلى النفس المغتربة عن ذاتها، أنثى تتشكل صورتها وفق وضوح المرآة، وتقدم نفسها كأيقونة للحلول.

يقول في قصيدة بين «الوقت والمرآة»: « كاذب في غده على مرآة حاضرنا وماضينا، هو ما تجمّع من هشيم أحلامنا، لينسج دمعتنا على هيئة أنثى، تصفف شعرها، نلبسها تاج العروس، ونجلسها قربهن بانتظار الزفاف، ونحضنها حين لا نستطيع البكاء، الحاضر بارد حين يلامس أجسادنا، نغليه على نار الذكريات، كي نحتسيه في قهوة الصباح، ونمشي».

يربط الشاعر في ديوانه الجديد بين المرايا والأنثى، فكلاهما رهن الوقت وتجلياته، فالشاعر لا يطمئن إلى أحدهما إلا إذا خاض غمار المواجهة، كما يقول في قصيدة « المنجم»: « كم ستخطىء في وجهك يا ابن المرايا، وكم قمرا سيسقط عن جناح حمامة، وأنت تنظر خبرا يدجّن ظلك، لكي يقبلك، اقترب من سدرة الحب وحدك، قلت أهنا، قال، لا أريد أن أحترق».

ويقيم الشاعر في مدونته الشعرية السادسة، بعد خمس مجموعات هي « رحلة حرجة، وأنا مثلك مطفأ، مرثاة الغريب، وأنت إذ تكتب على الريح، وأبابيل الغياب»، في حدود اتصاله بالمعنى المقابل لهذه المواجهة تقابلات حسيّة، مستندا على المادة الانزياح للرؤيا، فهو يبكي نصف الكلام، ويعبر الليل، ولم ير مطرا، وللقصيدة أن تسمع نفسها، والكلمات تنوب عن صاحبها، إلى غير ذلك من المفاجئات التي يعقدها في تدوير اللغة وحقنها بما يثير جلبة الصورة الشعرية.

على الغلاف الأخير يقول الفنان أحمد قعبور في تقريضه للمجموعة « من إربد إلى الاسكندرية مرورا ببيروت، يتوارى الشاعر أنور الأسمر خلف صمت أشد صخبا من ضجيج المدن، تراه متأملا وجوه المارة بحثا عن معنى مفقود في نظراتهم، وهم يلهثون خلف عقارب الوقت، عن إشارة مختلفة في عالم يزداد توحشا وفتكا بالروح والجسد والمعنى واللغة، يكتب أنور الأسمر شعره كمن يلتقط سترة نجاة لتمسي القصيدة خشبة خلاص في بحر الوحدة والصمت.

ويضيف قعبور» في بعض قصائده يساكن أنور الموت لينجو من الحياة، وفي قصائد أخرى يذهب عميقا في الخريف، لكأنه وحده من يصغي إلى تساقط الأوراق والأيام ورقة ورقة ويوما بيوم في انتظار القصيدة النجاة، ولا يجد الأسمر من الكلمات ما يتيح له الإجابة عن الأسئلة اليومية، فيتدبر أمره ببضع كلمات والكثير من السكوت، فإذا ما صادفته يوما لا تسأله عن الحال، اكتف بالمصافحة وقل له: شو رأيك نمشي شوي».