|
عرار: ربما أضحت الثقافة هي ما يقربنا من بعضنا، في ظل طغيان اجتهادات، صارت تتعدد ربما بعددنا نحن... وبت أكثر حرصا على مقولة أن الثقافة هي حصننا المنيع، وإن لم يكن الأخير، وإن كنت في هذه الشهادة لا أستطيع تعداد الحوارات التي أجريتها، أو التغطيات ألتي قمت بها، لصحيفتي "الرأي"، والقدس العربي أيضا، ولهذا سأتحدث عن موضوع، لطالما شغلني كإعلامية متابعةٍ للشأن الثقافي الأردني والعربي، إذ شدتني كتب السيرة الذاتية، للعظماء وللمبدعين، للكتّاب والفنانين، على حد سواء. وكثيرا ما تساءلت لماذا يغيب المكان في الكتابة العربية؟ وأبهرني أستاذنا د.إحسان عباس -رحمه الله- بسيرته الذاتية "غربة الراعي"، والتي رصد في فصلين منها ملامح مكان الطفل الذي كانه، مستحضرا ما رسخ في ذاكرة الطفل، وأول يوم له في المدرسة، والينابيع الثقافية التي أسهمت في تشكيل وعيه. كما اطلعت على سير ذاتية أخرى - لكنها لا تتعدى أصابع اليدين- عرجت على مكان الطفولة، ومنها "ورشة الأمل/سيرة شخصية لمدينة المحرق" مكان نشأة الشاعر البحريني قاسم حداد، والذي أخذنا ببراعة إلى مدينة "الشاعر الذي كأنه الطفل قاسم حداد"، في إشارة إلى أن سيرة الطفولة هي جزء أصيل من سيرة المكان والزمان. وكذلك سيرة المفكر إدوارد سعيد "خارج المكان" التي وثقت لسيرة صاحبها منذ ميلاده وحتى مرضه. تشدني كتابة سيرة المكان، وكثيرا ما تساءلت لماذا يغيب المكان عن الإبداع الأردني في وسائل الإعلام.. وتحديدا ذلك أن حياتنا جزء أصيل من سيرة المكان والزمان والإنسان. كما أنني وأينما تواجدت إعلاميا كان المكان رفيقي، ففي مجلة "أنت" استحدثت زاواية (حكاية مكان)، وفي صحيفة عمان عاصمة للثقافة العربية العام 2002، حرصت في كل عدد على وجود سيرة المكان، وكذلك في صحيفة السلط مدينة الثقافة، وكذلك في جريدة القدس عاصمة الثقافة العربية للعام 2009، ومجلة العاصمة التي صدر منها بضعة أعداد، وما لبثت أن توقفت. وإبان احتفال السلط باختيارها مدينة للثقافة الأردنية كتبت نص فيلمها الختامي محتفية بسيرة المدينة، وتاريخ أمكنتها العتيقة. كما أنجزت نص وأخرجت فيلما وثق بيوتها الأولى وعنوانه "بيوت من ذهب"، وثقت فيه سيرة بيوت العصر الذهبي للمدينة في الفترة الواقعة بين عامي 1890 و1920، و يرتبط هذا الطراز المعماري المتميز بأحداث تاريخية هامة ويشهد على ازدهار تجاري كبير، مما يضفي على المنطقة ثراء في التنوع، و يكسبها رونقا و بهاء، ويجعلها ذات أهمية خاصة للأردن و يؤهلها بالتالي لان تكون منطقة جذب ثقافي سياحي . وفي برنامج "وين ومين" من بحثي وإعدادي وإخراج سوسن دروزة، عمدنا في فقرة شوارع إلى سرد حكايا وقصص الشوارع بوصفها أماكن نستخدمها يوميا، كما تشهد على أنشطة وحراك المدينة وناس المدينة، كما تحتضن أماكننا لتقديمها بشوق مشوق يتعالق مع التسمية وسرها فنجدنا في كل مرة تصادف أن يحمل الشارع أسم علم ما، نعود لثنائية المكان/ الإنسان، ولعل هذا دليل عملي ساطع أخر على أن للمكان ذاكرة إنسانية تماما كما للإنسان ذاكرة مكانية. الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الخميس 15-12-2011 09:00 صباحا
الزوار: 2154 التعليقات: 1
|