|
عرار: ** ورشة عن دور الإعلام في نقل الحراك.. الورشة التي يدير جلساتها أمين عام وزارة الثقافة محمد أبو سماقة، ومنسّق الورشة د.أحمد راشد، وأكاديميّون، يلقي فيها د.جرار كلمة يبين فيها أهمية الفعل الثقافي والإعلام المواكب، ليقف المنتدون على مواضيع متنوعة متكاملة تؤطر للإعلام الثقافي الذي فرض نفسه بما للأدب والفكر والفن من دور مهم في كل هذا الحراك. تالياً ورقة (الصحافة الثقافية: أجندة الموضوع وموضوعيّة الأجندة)، التي يقدّمها كاتب السطور شهادةً في أعمال الورشة: • المشهد الثقافي الأردني: من أقوى المشاهد الثقافية العربية، ومن أكثرها حراكاً، على مستوى المؤسسات المعنيّة بالفعل الثقافي أو العاملة له أو على صعيد جمهور هذا المشهد، من واقع الفاعليات اليوميّة في مفردات الفكر والفن والأدب التي تسعى وسائل الإعلام، على تنوّعها، إلى مواكبتها أو اللحاق بها، ونقدها. فهو مشهدٌ يدعمه جوّ الحريّة الممنوح، ويؤطّره انفتاح المثقف الأردني وتفاعله مع قضاياه الوطنيّة والقومية وعلى مستوى قضايا العالم الإنسانيّة. هذا المشهد الذي تتغلغل فيه الثقافة في كل جوانب الحياة، سياسيّها، واقتصاديّها، وفي جوانب المجتمع وسلوكه اليوميّ،... يحتاج إعلاماً ينقله إلى فئته المستهدفة، نخبويّةً كانت أم مهتمّةً من بعيد أو قريب، أم كانت مسؤولةً، تستأنس بما تجلبه وسائل الإعلام من خبر أو تحليلٍ أو رؤية. • التغطيات الثقافيّة: تلعب الصحافة الثقافية دوراً كبيراً، بل هي صاحبة الدّور الأكبر، في نقل مفردات الحراك الثقافي الأردني والتعريف بها، لأنّ ما نراه من تغطيات الإذاعة والتلفزيون، والفضائيّات، على سبيل المثال، ليست كافيةً، أو هي شحيحة، إذا ما استثنينا التوعية المبرمجة في مبنى الإذاعة نفسها، كالبرامج الدينية والمعرفيّة، ومع أن التحليل عنصر أصيل في الصحافة يستند إلى الخبر إلا أنّ التغطية الإعلامية المقصودة هنا هي زيارة ميدان الفاعلية ومناقشة فرسان الندوة أو جمهورها أو نقّادها، وفي هذا الشأن، فإنّ الصحافة الثقافية تتفوق دائماً، لأنها تنطلق من عمل يومي مستمر وصفحتين يوميّتين، تستوعبان المستجد- مع الأمل بزيادتهما، أما المجلات الثقافيّة الدورية، فمع أنها تفرد ملفات ثقافية أدبية وفنيّة وفكرية، إلا أن غالب تغطياتها للأخبار اليومية يستند إلى ما تنقله الصحافة الثقافية ذاتها، زد على ذلك أنها لا تفصّل في ظل صفحات محدودة مطلوب منها أن تستوعب كل مفردات الشهر أو الشهرين مرّةً واحدة. وفيما يخصّ المواقع الإلكترونيّة، فإنّ هذه الأخرى على عمومها لا تتخصص في المفردة الثقافيّة، بمعنى أن الثقافة فيها تجيء خبراً في أدنى الاهتمامات، إلا إذا إذا كان له ما يبرره، خصوصاً حين يكون ذا بعد سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، وهي الأبعاد التي تهيمن على أخبار المواقع الثقافية وتأتي في المرتبة الأولى لديها. من هنا كانت أهميّة الصحافة الثقافيّة، ومن هنا كان عليها المعوّل في نقل الخبر، وتحليله المواكب، والتلوّن بفنون صحافية تستنطق الخبر حواراً أو تحقيقاً أو قصّةً أو صورةً إخبارية أو مقالة.. وهكذا. • الصحافة الثقافيّة بين نارين: مطلوبٌ من الصحافة الثقافيّة أن تواكب، وتنقل الخبر، وتجترح من ألوان الصحافة ما يثرى الحالة قيد التغطية، ومطلوبٌ منها، كذلك، أن تتّسع لتلحق بكلّ أخبار هذا الوسط، وأن تستجيب لكل ضغوطات الهيئات الثقافيّة الفاعلة وغير الفاعلة،.. كلّ ذلك في حدود مساحة هي في حدودها القصوى تساوي صفحتين، بما فيهما من صور، ومقالات، ومستجدات. هذا التحدّي هو ما جعل الصحافة الثقافيّة تفاضل بين أخبارها، وربّما تؤجّل، والمعضلة تزداد حين تكون كلّ الأخبار لا تحتمل التأجيل. يزداد هذا التحدي في ظلّ الحاجة إلى تجاوز الخبرية بالتحليل والحوار والتحقيق، كل ذلك في ظل الصفحتين، وهو التحدي الذي يستلزم مهارةً صحافيّة أدبيّة وفنيّة بالتخصص، في التعامل مع هذه الثوابت والمستجدات. لكن، حتى لو توفّرت الصفحتان أو الثلاثة أو حتى أكثر من ذلك، فإنّ المفاضلة وتجاوز الضغوطات إلى ما هو موضوعي هو الأهمّ، كما أنّ تغذية الصفحة بالمواكبات الفكريّة، التي غالباً ما يضطلع بها ملحق الثقافة الأسبوعي،.. تلاقي اهتماماً ورواجاً، من واقع ردود الفعل التي يلمسها مدراء تحرير الثقافة والصحافيون أنفسهم في الميدان وفي لقاءات المثقفين. • الأكاديميّون والصحافة الثقافيّة: الأصل أن تتعمّق العلاقة بين الأكاديميين والصحافة الثقافيّة، من منطلق أنّ هؤلاء لا بدّ يثرون الصفحات الثقافيّة بتخصصاتهم الفنيّة والأدبية والفكرية. وعلى أرض الواقع، فإنّ الأكاديميين إما أن يشاركوا كتّاب مقالة في الصفحات اليومية أو الملحق الأسبوعي أو يكونوا مادّة لحوار مع صحافيي الثقافة أنفسهم، فتعم المشاركة. لكن، الحاصل أنّ الوسط الثقافي ذاته لا يلحق به هؤلاء الأكاديميون، إما لأنهم يتمترسون داخل أسوار الجامعة نفسها، أو لأنهم يستعلون، أو لأنهم يشعرون بغربة تجاه هذا الوسط الثقافي الممارس:فنّاً وأدباً على وجه التحديد، فهو وسطٌ موّار بالجديد والإبداع الذي ربما لا يستجيب لقواعد النقد الأكاديمي الذي يوصف بالجاف المنضبط. هذه العلاقة هي التي تجعل من الصحافة الثقافيّة وسيطاً بين الهيئات الثقافيّة وأكاديميي الجامعات، لأنّ من الأكاديميين من خرج من خضمّ هذا الوسط، بمعنى أنه تهيّأ مسبقاً وانغمس في الهم الثقافي الإبداعي مؤسساتٍ ووزارةً وجمهوراً، فحافظ على كينونته. لكن محرّري الصفحات الثقافيّة ومندوبيها هم على الأعم الأغلب كتّاب في الأصل تمرّسوا بالتجاور أو الاحتكاك، وهنا فإنّ موازنةً تروح وتجيء بين هذه الأطراف، دون ثابت بالمطلق في الاستكتاب أو الاستئناس بالرأي أو الحفاوة بالنقد. ثمّ إن الجامعات أنفسها قد لا تولي الفعل الثقافي أهميّةً تُذكر، أو أنها تحمّل ذلك على أجندة عمادة شؤون الطلبة وكليات الفنون وبعض أمسيات، وفي الفترة الأخيرة تنبهت جامعات من مثل الجامعة الأردنية إلى ضرورة الانفتاح على الصحف الثقافية في الأخبار والدعوات الثقافية والحراك الندواتي المصاحب. • أدوات الصحافة الثقافيّة: للصحافة الثقافيّة أدوات مهمّة، ربّما تتباين أو تفترق قليلاً عن الصحافة المحليّة الاجتماعية أو الرياضيّة أو الاقتصاديّة، في أن الأولى تحتاج درايةً ربما تصبح مراساً أدبيّاً أو فنياً، عدا احتياجها ثقافة هائلة ترفدها، ليعرف المحرر أو المندوب موقعه على الخارطة الثقافيّة أو الفكرية، وليقارع أو يساجل أكاديميين أو مثقفين أو ضيوفاً، فيعكس كلّ ذلك على الصفحة الثقافيّة بما يجعل من الصحافة الثقافيّة غاليةً في يد كلّ هذا الوسط، مثقفيه وأكاديميّيه وممارسيه. ومع أن الصحافة المحليّة والسياسية والرياضية والاقتصاديّة هي الأخرى تحتاج ثقافةً تتعلق بمفرداتها، إلا أن لغة الصحافة الثقافيّة قد تميل إلى اللامباشرة، والتلوّن بالقصّة، أو الوصف التعبيري على نحو نراه في نقل أخبار الأمسيات الشعرية أو المنحوتات الفنيّة أو المقطوعات الغنائية أو الموسيقيّة... وهذا قد يتوفر في (الصحافات) الأخرى، لكنه لا يكون مسموحاً به كثيراً، أو أنه يكون تحت المراقبة خوفاً من الابتعاد عن الموضوعيّة باتجاه التحيّز. نحن هنا لا نناقش المعرفة باللغة: نحوها وصرفها وبلاغتها، أو التخصص الحقلي في الفن والأدب، فكل ذلك من المسلّمات، غير أننا نتّجه نحو المهارة الثقافيّة الصحافية في خلق القضايا الثقافيّة والتأشير عليها، وتجاوز التكرار إلى الجرأة في الطرح والذهاب باتجاه الكشف والارتياد والمكاشفة والمواكبة. • التلوّن بفنون الصحافة: لا بدّ أن تتلوّن الصحافة الثقافيّة بفنون صحافية تكون محلّ تباين أذواق القراء والمهتمين وتشكّل عنصر جذب لكل هؤلاء، لأن تناول المادة الصحافيّة هو فنٌّ بحد ذاته، زد على ذلك ما للثقافة في فنّها وأدبها من مساحات مسموح بها في التناول. فالسؤال المطروح: ما مدى هذا التنوّع؟!.. هل يتحقق في الصحافة الثقافيّة؟!.. ما مدى تكرار الحوار أو انتظامه في هذه الصفحات؟!.. وقس على ذلك التحقيق(بمنهجيّته الاستقصائية ونِسَبِه الدّالة)، والقصّة الإخبارية، والتقرير. هذا سؤالٌ مهم.. ومنه نستطيع أن نتعرّف إلى مقدرة الصحفيين وانغماسهم في الصحافة من جهة، واستثمار فنون الصحافة كلّها لصالح العناية بالمادّة الثقافيّة على تنوّع مفرداتها، من جهة أخرى. إن تكرار الخبر مبررٌ في الصحافة الثقافيّة، مع أن أيّ مادة صحافية مهما كان شكلها أو تصنيفها الصحفي إنما هي مادة تستند إلى الخبر أو تحمله تصريحاً أو تلميحاً، لأنّ كل موادّ الأدب مسموحٌ فيها أن يغيب المعنى جزءاً أو كلاً، لنمنح القرّاء فرصة حكّ الذهن أو الدماغ، لكنّ هذا لا ينفع في الصحافة الثقافيّة، فالمعنى شرطٌ أصيل مهما كانت فئته المستهدفة أو درجة نخبويتها. هناك مساحات تبدو شهيّة لاستثمارها في الصحافة الثقافيّة، من مثل التحقيقات الاستقصائيّة الدالة نسبها التي يكون الصحفي فارسها، فلا يكون متلقياً بارداً لمادته، التي ربّما تتكرر في هذه الأمسية أو تلك. • المواكبة الفكرية: على الصحافة الثقافية أن تواكب ما يجري حولها من أحداث على المستوى العربي والعالمي، فضلاً عن المحلي، وعليها ان تكون جادّةً، فتتبنى موقفاً موضوعيّاً إزاء ما يحدث، وتستطيع تطبيق هذا الموقف من خلال تغطيات واستلهامات فكرية لقضايا الحرب والسلام والهم القومي. بل يمكن للصحافة الثقافية، طالما آمنا أنها تتغلغل في كل الحقول الأخرى، أن تشارك الصحافة المحلية والاقتصادية والسياسية والرياضية، حتى، بمواد ثقافية ذات علاقة. على سبيل المثال يمكن في ذكرى نكبة فلسطين أن يتم الاشتغال الفكري على أدباء فلسطينيين أو عرب، وفي وقتنا الراهن يمكن الاشتغال على الآثار الفكرية والثقافية والثقافة الجديدة بعد كل هذا الربيع العربي. وكذلك يمكن الاشتغال الفكري على الهوية الثقافية بالضدّ من قرار المجلس البلدي الإسرائيلي هدم باب المغاربة، وهكذا. والأمثلة على ذلك كثيرة، بل كثيرة جداً، يظل فيها المشتغل بالصحافة الثقافية فاعلاً، يتشارك مع الحقول الأخرى، ويبقي صفحته متوهّجةً بالراهن مثلما هي تستند إلى الأصيل من التراث. هنا يكون للصحافي الثقافي موقف مهم إزاء ما يحيط به، فيخلق القضية، ويبحث عن المسوّغ الثقافي، ويتناول القضايا الراهنة في إطارها الفكري الثقافي، لنصل إلى المرحلة التي يشعر الجميع فيها أن الصحافة الثقافية ليست فقط مجرّد نقل أخبار فنية وأدبية تتكرر دون تقييم أو موقف من كل هذا الحراك. وليس شرطاً أن تكون المواكبة فقط لما يحدث في المحيط العربي أو العالمي، وإنما يمكن أن تكون لما يحدث في الداخل، في قضايا مُلحّة تهم الوطن، شريطة أن نُحسن الإمساك بمسوغ الكتابة الثقافي عن هذه القضايا. • الانغلاق عن الإطار: إن قصر الصحافة الثقافية عن محيطها وإطارها الشامل يبقي هذه النوع من الصحافة فقيراً إلى موارده المهمّة الفكرية، ويحصره في حيّز ضيق، يؤدي إلى أن يتبلّد الصحافيون المشتغلون في دوائر الثقافة، لأن الفكر بطبيعته هو إنساني، كا أن الأدب والفن هو إنساني كذلك، وطالما أن الأدب والفن لا بدّ يصدران عن فكر، فمن الضروري إلا نحشر صحافيينا في منطقة عقيمة التأثر والتأثير. المقصود بالإطار الشامل، إضافةً إلى المواكبة، أن يضع مدراء تحرير الثقافة في حسبانهم أهمية تلبية كل الحقول يومياً وألا يغلّبوا جانباً على حساب جانب آخر، إلا لسبب يمليه انتشار هذا الجانب عن ذاك. المعنى أننا لا يجوز أن نفرح بالشعر وحده على حساب السينما أو نقتطع مساحات وافرة لأخبار الكتب والرواية على حساب قطاع المسرح، وهكذا.. ومن الضروري التأكيد أن الشمول لا يعني عدم القراءة التفصيليّة حيثما أمكن، لنظل على معرفة بكل مفردات الثقافة العامّة والمتخصصة. شمول الصحافة الثقافية يكون، أيضاً، بسبب تداخل كل الفنون بالآداب بما يؤسس للفكر الناتج، وغني عن البيان أن على الصحافة الثقافية أن تسأل وتخلق السؤال وربما توحي بالإجابة من منظورها التحليلي ومن الأرشيف المهم الذي تتوافر عليه. • إقناع صاحب القرار: ويستطيع هؤلاء أن يقنعوا بتحليلاتهم المواكبة وغير الروتينيّة المملّة أنّ صحافتهم الثقافية لا تقل أهمية عن الصحافة المحلية أو السياسية أو الاقتصادية، وذلك يكون بالجرأة والمبادأة والربط الذكي بين المتغيرات والوصول إلى ما ينفع صاحب القرار، أياً كان نوع هذا القرار. إقناع المجتمع والمسؤول بجدوى الإعلام الثقافي لا يكون باتخاذ منهج العدائية المسبقة غير المستندة إلى الرؤية، بل يكون بالتوازن في طرح وتقديم الخطاب الثقافي، على الأقل لأنّ هنالك جهات شريكة تنتظر ما يحمله الإعلام من أخبار وتحليلات يُفترص أنها موضوعية، تدعم صاحب القرار وتبارك قراره إن كان منطقيّاً وتؤشّر على تبعات هذا القرار إن كان غير منسجم مع خطاب الجمهور والوطن ومنطق تداول الأمور. وكثيراً ما خلقت الصحافة الثقافية من القضايا ما جعل الحكومات تعيد النظر في سياسات معينة، من مثل على إعادة إحياء مهرجان جرش بعد أن كان حلّ محله مهرجان جديد هو مهرجان الأردن، وما ذاك إلى لأن الإعلام الثقافي كان بيّن معنى الهوية المندغمة في جرش المكان والعراقة. ويمكن أن نتخذ مثالاً على التأثير الثقافي إعادة وزارة الثقافة بعد أن كانت ألغيت ذات قرار حكومي مفاجيء. • تهذيب ورقي السلوك: طالما أن الهدف من الثقافة هو بعث المجتمع على الرقي والتسامح والتأمل والعطاء الإنساني، بما ينعكس على السلوك والتعامل مع الأطياف كافة، فإنّ على الإعلام الثقافي أن يسعى إلى مد المجتمع المحلي بجرعات من هذه الثقافة بكل مفرداتها ليصار إلى أن يتبنى المجتمع هذه الثقافة. وعلى الإعلام الثقافي أن يتدخل ليرصد نقاط قوّة المجتمع ومدى تقبّله لفنون جديدة كان يُنظر إليها على أنها من المحرمات، فكل ذلك سيعمل على أن تتحول الأطياف المنغلقة بفعل الجمود والأحادية في النظر إلى أن تصبح أكثر قربى إلى التشاركية بل تصبح في منتصف العملية التشاركية، وهذا من شأنه أن يقضي على بؤر شديدة الحساسية ضد الفعل الثقافي. الأمثلة كثيرة، منها ما يتعلق بجعل الفن، على سبيل المثال، يتدخل في تهذيب السلوك المتنطّع أو الجندري(الذكوري) إلى سلوك أكثر تسامحاً وقبولاً وانفتاحاً. على الإعلام الثقافي أن يسعى إلى بث الأدب بكل مفرداته إلى الناس ويجعلهم يقبلون عليه، ليتنعّموا بثماره، ولنا في مشروع مدينة الثقافة الأردنية، المشروع الصادر عن وزارة الثقافة، مثال كبير، في المدينة، حيث استطاع الفعل الثقافي أن يجعل من الجمهور يعتاد الندوة والأمسية والمسرحية والكتاب، وكل ذلك انعكس على سلوكه بشكل يدعوه إلى الراحة وعدم التشنج أو التوتر. • الصحافة الثقافية المنمّطة: تتباين الصحافة الثقافية في الصحف المحلية ما بين منمّطة، روتينيّة، تسير على قالب لا يستجيب أو هو غير حسّاس لما يجري حوله، أو تبقي اجتراحات واشتغالات المشتغلين في هذا الحقل على النمط ذاته في تناول الخبر والاشتغال عليه. وغني عن التذكير أن هذا التنميط إنما يفقد هذا النوع من الصحافة بريق المواكبة وشعور المثقفين والمهتمين بالصفحات الثقافية بجديّة هذه الصفحات. لكنّ التنمّط قد يكون في الحفاظ على الإطار الثابت الذي تتميز به صفحات كل صحيفة، لأن كثرة التجريب قد تقلق وتفقد الصفحة الثقافية كثيراً من ثوابت العمل الثقافي لديها أو تفرغ الجانب الخبري المهم من مضمونه، لأنّ نِسَباً كبيرة تعطى في الصفحات الثقافية اليومية للخبر، فيما تتوزع النسب الباقية على المقالة والتقارير والحوارات. • الصحافة الثقافيّة المتحيّزة: التحيّز مشكلة، حتى في علم الإحصاء، وموضوعيّة الصفحات الثقافية هي ما يجعل المتلقي مطمئناً إليها، ينشد فيها الخبر الصادق والمعلومة المفيدة، وأسوأ أنواع التحيّز أن تشتغل الصحافة الثقافية لأشخاص معينين بدون مبرر موضوعي أو فهم واعٍ، فالجمهور المثقف يفهم مثلاً اشتغال هذه الصحافة على روائي كبير يتهيّأ لنيل جائزة كبيرة عالمية، أو يتفهّم انشغال الوسط الثقافي كله بما فيه الصحافة الثقافية بإبداع شاعر أو ولادة أديب أو نتاج فنان أو عبقرية مفكّر... لكن هذا الوسط سرعان ما يكتشف ضعف تسويق الأجندات الضعيفة، غير المقنعة، كأن تعمد الصحافة الثقافية إلى تسويق طيف سياسي على حساب آخر، أو هوىً فكري دون الموازنة مع المدارس الفكرية الأخرى. لكنّ الصحافة الثقافية دائماً ما تُغرم بالكشف والخلق حتى على مستوى الفكر، وتجاهل هذه الصفحات مدارس أدبية وفنيّة وفكرية آسنة لا تقدّم جديداً، أمر لا يدخل ضمن باب التحيز، إذ أنّ انحياز هذه الصفحات للنوع والمقنع إبداعاً واجتهاداً فكريّاً هو انحياز مبرر، وإلا بقيت الصفحات الثقافية تجترّ نفسها، أو لا تقدّم جديداً هو سنّة الإبداع، مع أن للصفحات الثقافية معايير جمالية واهتمامات فكرية لا يمكن التضحية بها، خصوصاً حين تفاضل هذه الصفحات بين الفكر الهدّام والبناء أو المكرور والخلاق أو بين الفكر الذي يقدّم رؤية والفكر فقير الأفق. • بين الخبر والتحليل: هل يمكن أن ينتقل التحليل الثقافي والفكري من ملاحق الثقافة الأسبوعيّة إلى صفحتي الثقافية اليوميتين؟!.. هذا مرهون بمدى أفق مدراء تحرير هذه الصفحات، والتحليل المراد هو الاشتغال على الرؤية وتقديم المعلومة واستنتاج هذه المعلومة بمبادرة الصحفي ذاته، بالسؤال والاستقصاء والتحرّير والقراءة الواعية؟، وربما بإهمال ما يتكرر من الأنشطة، مع أنّ في التكرار علامات أيضاً ودلائل يمكن أن يقرأها المشتغلون بالصحافة الثقافية. التحليل أمر تشترك فيه الصفحات الثقافية مع محيطها الأكاديمي والممارس الإبداعي أو المثقف، ولا بدّ أن كثيراً من وسائل وأدوات هذا التحليل يمكن الاشتغال عليه وفق تصوّر مرسوم. ولأن النقد هو الوجه الآخر للإبداع، فإنه من الضروري أن يتوافر أو يكون مهماً ومطروحاً على أجندة الصحافيين في الحقل الثقافي، لكي نهذّب كثيراً من جموح غير المبدعين وتكرارهم أنشطةً لا تدل على شئ، أو تدعو إلى اللاشيء أو أنها لا تدعو إلى شيء. فبالنقد تُحكك التجارب ويتم الاستصفاء وانتخاب الجيّد من الأعمال. • ضغوطات الهيئات: تُواجه الصحافة الثقافية بضغوطات حراك ثقافي يشترك فيه المثقف وغير المثقف والمبدع وغير المبدع، ومما ابتُلي به الوسط الثقافي وجود هيئات ثقافية غير جادّة، لا تملك استراتيجيةً واضحة، أو ليس لديها رؤية تقدّمها للصحافة الثقافية، وهي في الوقت ذاته تريد أن تستحوذ على اهتمام الإعلام أو تتغول عليه. هذه الهيئات المنمّطة تنميطاً سلبياً بحاجة إلى من ينتقد عملها لا من يروّج لها، فهنالك وَهْم الإنجاز وإنجاز الوهم، والملفت أنّ هذه الهيئات الثقافية تُحسب على الحراك الثقافي المحلي بالكم، استناداً إلى سهولة ويسر تشريعات قانون الجمعيات الخيرية في أن تؤلف مجموعة أشخاص لا تتجاوز السبعة هيئة ثقافية تكون عبئاً على المجتمع الثقافي والمؤسسات الداعمة، ثمّ هي مع كل هذا التخبّط وتوهُّم الإنجاز تطلب الشهرة والإعلام! • المتلقي البارد: علينا التفريق، ونحن ندرس ميول الجمهور نحو الصحافة الثقافية أو إحجامه عنها، بين جمهور النخبة المثقف والجمهور العادي الذي لا يلفته إلا الخبر الفني الموشّى بالصّور والعناوين المفارقة. فإدراكاً من الصحافة الثقافية لهوى الجمهور غير النخبوي نحو العارض أو الملفت من متنوع الأخبار الفنيّة خصصت صفحات معيّنةً لهذا النوع من الأخبار، مع عدم تخلي الصفحات الثقافيّة عن هدفها الفكري والأدبي والفنّي المبدع؛ لأنّ رضا الجمهور عن مفردة فنيّة أو صرعة فنيّة ما أو لون معين لا يجعل من الصفحات الثقافية مهما استجابت لهذا الرضا، أن تتخلّى عن موازنتها بين النخبة والجمهور، وفي هذا المجال فإنّ تسمياتٍ تنشأ، من مثل: المتلقي الحار، أو البارد تجاه هذه المفردة أو تلك. • تنوّع مؤسسات الثقافة: تستمدّ الصحافة الثقافية موادّها التحليلية والخبرية من جمهورها المبدع والمثقف والأكاديمي، ومن الهيئات والمؤسسات المعنيّة بالفعل الثقافي، وهي كثيرة، منها: وزارة الثقافة، وأمانة عمان، ومؤسسة عبد الحميد شومان، والبنوك العاملة أو التي تهتم بالثقافة في جاليريهات فنية أو مسابقات إبداعية، وكان أن بعض الوزارات كانت استحدثت نشاطات معيّنة ثقافية ولم تستمر التجرية، هذا من جانب ومن جانب آخر، فإنّ الهيئات الثقافية التي وصلت إلى 400 هيئة تتبع وزارة الثقافة وتخضع لقانون الجمعيات الخيرية، تشكل مصدراً خصباً لمواد صحافية ثقافية لا تنتهي. الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الأحد 11-12-2011 04:50 صباحا
الزوار: 1860 التعليقات: 0
|