|
عرار: قصيدة "سماويّة غوايتي"، من ديوان "سلامي لك مطرًا"، للشاعرة آمال عوّاد رضوان. عزيزتي آمال الشاعرة.. هكذا أنتما، بينَ ضباب الأفق ولقاءِ الغياب، تتناغم لديكِ الفصولُ، تسكبينَ الحرفَ وجعًا (تحُفُّهُ هالةٌ مِن سُكون)، وفي غفلةٍ تتزاحمُ الصّورُ البلاغيّةُ في (مِحرابِ لحظة)، قد يكونُ هو الملاذُ الأخيرُ لطفرةِ الوجعِ في بناءِ النصّ، برقّةِ عتابٍ وقسوةِ عقابٍ (لموت أو حياة)، تُحاولينَ الهروبَ إلى الأمام، إلى نصٍّ سحريٍّ أخّاذ.. هو النصُّ الّذي مِن خلالِهِ تُجابهينَ (أسرابَ السراب)، حين (لا يُجدي سؤالُ السلوى سرابا)، (وصليلُ صمتِكِ.. غفوةُ ليلٍ)، ما بينَ جرارِ الأمسِ الآتي. بهفهفةِ قلبٍ يَنبضُ بعشقٍ أسطوريٍّ لمُراوغةِ الأبجديّةِ بلغةٍ عصيّة، قد تُثقلك شيفراتها، ولكن، ما تلبثَ أن تفردَ القصيدةُ بِساطَها الحريريّ، مُعطّرًا بعشقٍ لازورديٍّ مُخمليٍّ، تضعُهُ آمال بينَ أنفاسِكَ وأنفاسِ القصيدة، وحتّى أنفاسِها هي ككاتبة، مِن رحمِ حُروفِها تولدُ الأنفاسُ الأخرى، مُترَعةً بهذا العشقِ الخرافيّ، في مناجاةٍ روحيّةٍ ملائكيّة. (أسكبيني).. أين؟ (بزبَدِ ضياعي).. (ولا تسقِنيها)! هكذا نقفُ بدهشةٍ مأخوذينَ باللوحةِ الشعريّةِ مِن ذاتِها، بتأمّلٍ لغويّ يَفيضُ مِن مُنحنياتِهِ إلى الينابيعِ الأخرى، حيثُ نرى الأملَ لديها (شقيًّا حين يَثملُ)، وبَعدَها نجدُهُ أيضًا قد غادرَ بُرجَهُ العاجيَّ، ونزلَ مِن عليائِهِ، ليُخاطبَنا بلغتِنا السهلةِ المُتمنعة.. (أنتِ.. وَ حْ دَ كِ:/ وَجْدُ.. وَحْدي/ عِطرُ.. عُمْري/ مَسْرَحُ.. جِنِّي)، وسرعانَ ما تسحبُنا إلى علياءِ الحروفِ ورمزيّتِها، فنرانا نلهثُ مِن جديدٍ كي نستكشفَ ألمًا وراءَ حرفِها: (اِزْرَعي سَكرةَ دمي/ بِخيالاتِ الفرَحِ/ شاغِليني بِمُرِّ عَفوِكِ/ لِتَفيضَ أقمارُ عَينيْكِ/ نورًا.. بَخورًا). هكذا نرانا ونراها مُوزّعةً ما بينَ ذاتِها وذاتِ القصيدة، بحروفٍ مُتناغمةٍ معَ الرّوحِ والجسد، مُنصهرةٍ في الثنايا والخلايا، مُشفّرة حينًا، ورقراقة شفافة حينًا آخر. هكذا تظلّ آمال تَدورُ في أفلاكِ النصّ، بوحدةٍ هي (عطر عمر)، مِن (نور وبخور)، تسكبُهُ (على هِضابِ الحُروفِ)، ومن ثمّ تقومُ بقذفِها إلى (ضِفافِ صوْمعةٍ/ يُضمِّخُها موّالٌ كئيبٌ). إذن؛ نحنُ أمامَ شاعرةٍ صدفيّةِ الحروفِ والنثرِ، وولادةُ القصيدةِ لديها تحتاجُ إلى أطولِ فترةٍ مِن الحمْل، قبلَ أنْ تفجِّرَها بميلاد، (ينبوعًا من نورٍ وبخورٍ)، وحينَ يحينُ القطافُ بعدَ (سفوح الترقّب)، نراه (يتدحرجُ) كما (ثمارُ الفرحِ في سِلالِ اللحظاتِ). وهنا فقط، تُقدّمُ لنا آمال بطاقةَ دعوةٍ بخيَلاءَ وكبرياءٍ وغنجٍ ودلالٍ.. (تعالَيْ تتبّعي رفيفِيَ العسَليَّ). رفيفٌ وعسل؟ غذاءُ الروح والجسدٍ، يأخذنا إلى الأصلِ، إلى خليّةِ نحلٍ فيها مبنى القصيدةِ هو المَلكة، وأدواتُها هُم الشغّالات في خليّة النصّ.. Top of Form إذن آمال الشاعرة لا تُلقي القصيدةَ على عواهنِها.. فالقصيدة حَمْلٌ ومخاضٌ يمرُّ بعدّةِ مراحل، قبلَ أن تقذفَها مِن رحم نصّ.. إنّها تُطوّعُ الصورَ الشعريّة مِن حولِها، بكلّ ألوانِها السوداء والرماديّة أيضًا.. حيث تجعلُها تطوفُ (حولَ يعاسيبِ الصوت)، والصوتُ هنا هو بناءُ القصيدةِ المُتكاملة. (بلسانِ القلمِ اليَصهَلُ)، وهذا الاستخدامُ الحداثي لألـ التعريف في الـ يصهل، نوعٌ مِن أنواع الشقاوة الشعريّة، ظنًّا أنّها تزيدُ مِن عددِ أوتارِ العودِ بوَتر، يَختلف عن كلّ الأوتارِ الشرقيّة المعتادة، قد يَستسيغُها البعضُ قراءةً، ولكنّي أنا التي اعتادتْ أسلوبَ السهل الممتنع، رأيتُ في الـ يصهل لحنًا مباغِتًا يأخذني مِنَ الاسترسال، ولكنّها كما ذكرتُ، تعودُ لتُرخي حبالَ غوايةِ النصّ بـ (أحبُّكِ.. خليّةَ القلبِ لاغِفيها)، وتتهجأ هيهات، تقطّعها، وكأنّي بها هي القصيدة الأنثى، ترجوها آمال أنتِ: (تملئينَ الخواءَ بشهدِ بنفسجِكِ)، هكذا تبغي من القصيدة أن تحتويَ الخواءَ ببنفسجها اللفظيّ، الذي تُودِعُهُ مكنوناتِ الروحِ والقلب، وحتّى الجسد.. وأمّا (عندِليني)، أي اجعلي منّي العندليبَ، أو كوني أنتِ عندليبي الذي يُغنّيني.. ويُثير الغناءُ انتباهَ الهزار.. وهذا مُنتهى الرجاء الذي يَرجوهُ الشاعرُ مِن خلال القصيدة.. حضورُ النصّ ما بينَ فعلٍ وردّ فعل.. نعم، بكلّ ثِقلِها حاورتِ الشاعرةُ ذاتَ القصيدة، فمرّة تُحاورُها ومرّةً تؤنّبُها، وحينًا تُجادلها وأحيانًا تُواجهُها.. (لا تندثر بزوابع الأحزان)، ونراها تعترفُ أنّ القصيدةَ هي راعيةُ الفؤاد في نصٍّ مُتفجّرٍ بالعواطفِ والرمزيّة.. كأنّها عروسٌ بعباءةٍ وبخِدرِ عذراء حريريّة، تتدثّرُ آمال القوافي (غزالة في مراعي الغزل)، وترنو إلى ما بعد حدود الفضاء، كي (تُغافلَ وسَنَ الأنجم) في تواثبٍ وهّاج، (فوقَ انسكاب الرّوح روحك). وحين ذاك، تعود آمال الى جلدتها الكروانيّة، (حيث ترعرعت ببيت موسيقيّ)، عايشت الكلمة المُغنّاة.. حيث ينسكبُ البوحُ لديها على (رنين كأسيْن)؛ هي وذات القصيدة.. في عناق سرمديٍّ نرجسيّ.. يأخذنا من ذواتِنا، ويَجعلنا نقفُ أمامَ هذا التجلّي، في حضرة وعيٍ مُطلَقٍ، تُطوّقُهُ آمال كوشاح مِن لهيب، على جيد بردٍ مُتأجّج.. يُرسلها إلى لحظاتٍ من انعتاق الروح والقافية، والكلمة التي تستلّها أنغامُ قدسيّةِ الابتهالات.. كما أنّها مَلَكًا نورانيًّا (يقدحُ سحابي قزحًا)، أو كما لو أنّها (العصا السحريّة تزرع النجوم) في الألوانِ الكالحة.. (ويهزّ فيافيَ الوجدِ مهدُ الوجد). إنّها مخاطبة تريدها الشاعرة أن تكون النبراسَ في (أروقة اليأس)، تريدها كذلك (رحمة تتسربل أرجوان الوجع) طاهرة، تصلُ بقدسيّتِها إلى فجرِ صلاتِها (بخشوع همسة)، (تُرتّق الجراحَ النرجسيّة)، (من زغاريدَ تودعها مناقير فرح الحنين). عزيزتي الشاعرة آمال- يا صدفيّةَ الحروفِ والنثر، هكذا تمتشقينَ البلاغة بسماويّةِ الحروف، تُسافرينَ ونسافرُ معكِ في رحاب النصّ المُتوتّر حينًا، والملائكيِّ أحيانًا أخرى.. برمزيّةٍ مُتعاليةٍ، وبخيلاء ممتعٍ يُخاطب كلّ هوامشِ القصيدة في رحمِها، وعند مخاضِها، وعند انطلاقتِها سماويّةً بغوايتِها.... تحيّاتي أيّتها الشاعرة المتوثّبة المُتحفّزة دومًا .. فاطمة يوسف ذياب (فاطمة اليوسف) كما تعرفني مدينتي سَماويّةُ غُوايتي- لآمال عوّاد رضوان الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الإثنين 16-12-2013 05:53 مساء
الزوار: 1711 التعليقات: 0
|