|
عرار: حمد علي البحيري:إذا أردت مثالا حيّا على ذلك فإليك تلك المشهدية البصرية الرائعة التي شهدتها العاصمة أبوظبي ضمن فعاليات مهرجان قصر الحصن بعنوان «قصة حصن مجد وطن»، التي أنشدها المخرج الكندي فرانكو دراجون في 75 دقيقة من خلال ستين ممثلا وممثلة ولاعب سيرك، وتشكيلة هندسية تجمع ما بين الأداء الاستعراضي والمؤثرات السمعية والبصرية المبهرة نحو رؤيا جديدة لاستخدامات التقنية الرقمية على المسرح، ليترجم لنا حكاية مكان يمتد عمره لمائتين وخمسين عاما، فيها كل مشاعر الاحترام والإيمان والفخر والاعتزاز بماضي الأسلاف وتقدير إبداع الإنسان، ويحكي فيها من خلال (فن التجسيد) واستجماع ما هو مخزون في الذاكرة الجمعية والموروث الشعبي، وبطريقة الحدث الاسترجاعي تاريخ إمارة أبوظبي، من خلال تاريخ قصر الحصن الذي نحتفي به على طريقتنا الخاصة. فرانكو دراجون يصنع سيمفونية «قصة حصن.. مجد وطن» بمشهدية تداخلت فيها الحركة والتقنية ملحمة إماراتية مبهرة.. في هذا العرض العالمي الاستثنائي، لم نكن أمام مسرحية بمعناها الدقيق، ولم نكن أمام أوبريت استعراضي، لقد كنّا في الواقع أمام رؤيا بصرية خاصة، ترتفع عن النص المكتوب، إلى النّص الحركي الذي يجمع في جوانبه جملة من فنون المسرح والسينما، والأداء، والحركة، والموسيقى، وكل مهمات العرض الفني الشامل من فنون المسرح الصامت، وملامح وسمات من الفن التشكيلي وبخاصة استخدام (الفيديو آرت)، وبعضا مما هو مؤثر في فن السيرك، ولمسات شرقية من فن الاحتفالية التي أسسها عربيا عبد الكريم برشيد، حيث كانت الفرجة هي شعار هذا العرض، وما كان أحوج جمهورنا إلى تلقّي مثل هذه التجربة على مستوى التذوق والاستيعاب، تجربة فنية تحمل هامشا من ثقافتي الشرق والغرب، حاول فيها فرانكو دراجون ومعه مجموعته أن يقدّم لنا حلاّ للمعادلة الصعبة، ونعني بها معادلة الجمع بين الأصالة والمعاصرة من خلال الفن التركيبي. بلا فواصل هو إذن عرض بصري حركي، تم تقديمه للجمهور دفعة واحدة، دون أية فواصل أو تقطيعات مشهدية، ويمكن القول إن اختيار (خيمة ضخمة) في ساحة قصر الحصن، كمكان وفضاء شاسع لأداء هذه السيمفونية المعاصرة ذات الطابع المحلي مضمونا، وذات النفس العالمي تقنيا وأسلوبا، أسهم في خلق تلك الحميمية بين سرعة إيقاع المشاهد التسعة التي جاءت في ثمانية عشرة توليفة فنية، والجمهور الذي انذهل مدركه البصري، بهذا التنوع السريع في المناظر، واستخدام تقنيات معاصرة في تجديد روح واحد من أهم أشكال المسرح العربي (خيال الظل)، من خلال استثمار أمثل للشاشة الخلفية لتنفيذ عمليات التحريك، أو استخدام شاشات العرض لسرد معلومات تاريخية هائلة عن قصر الحصن في صياغات جمالية ممتعة، وموقظة للجيل الجديد، والمتفرج المعاصر الذي ربما مرّ كثيرا من جانب المكان دون أن يعرف قصته الحقيقية، إلا من خلال هذا التجسيد الفني الذي تجادلت في فضاءاته ثنائيات، كشف عنها المخرج بطريقة تجعلك تتداخل في المشاهد، حيث يلعب التمثيل الحركي الصامت مع السينوغرافيا وفن الحركة والموسيقى والإضاءة والمؤثرات الصوتية دورا مهما في تشكيلة العرض، ولكن عن أي عرض نتحدث؟ في الواقع نحن نحكي عن فن الجماعة، حيث لا بطولة فردية، ولا حوار يبرز ممكنات الممثل وتفوقه الأدائي، فالكل هنا داخل طبيعة استعراضية حركية، يجسدون حكاية تتحرك، وتخاطب العقل والوجدان معا. وثمة رؤيا مهمة لجانب اختيار مكان العرض في خيمة عملاقة، قادرة بتشكيلتها الدائرية على استيعاب وتقبّل كل الأشكال والأساليب المستحدثة، وبخاصة في مجالات الديكورات المتحركة، وحركة ممثلي السيرك الذين كانوا يؤدون نوعا من (الأكروبات) التي أسهمت بجمالياتها وإيقاعاتها في خلق تشكيلات فنية وحيل مسرحية مختلفة، تضيف إلى المعاني والمضامين صورة بصرية، تعمق ألإحساس الوجداني لدى المتفرج بأن ما يشاهده هو واقع حي بتقنية معاصرة، بعيدا عن المسرح التقليدي كمكان. وحيث إنّه لا يوجد نص درامي بالمعنى المتكامل، وحيث إن بنية الموضوع تقوم على قراءة سردية من خلال التعليق الصوتي باللغتين العربية والانجليزية حول تاريخ ومراحل بناء قصر الحصن، وحول مدينة أبوظبي التي تحتضنه بكل فخر، كان توفيقا من المخرج دراجون أن بدأ عرضه باستهلال أول، بغرض إدخال الجمهور في الحكاية من خلال شاشة خيال الظل في آخر المسرح، حيث تمر أمامنا مجموعة من الصور المجسمة ثلاثيا، نتعرف من خلالها على روح الحياة القديمة لشعب الإمارات قبل اكتشاف النفط، صور جرى ترتيبها بعناية فائقة تعكس روعة قوافل الجمال وهي تعبر الصحراء، والغواصون للبحث عن اللؤلؤ في أعماق البحر، مع جملة كبيرة من الصور المتتابعة التي تشكل تلك الحياة من خلال اجتماع رمال الصحراء والبحر والإنسان بكامل أصالته وتقاليده، في ثلاثية نهض عليها مجمل هذه الرؤيا البصرية التراثية العالمية، الموحية بكل دلالات الكاتب:
ابتسام حياصات بتاريخ: السبت 09-03-2013 02:08 مساء
الزوار: 1464 التعليقات: 0
|