تختلف الخصائص النمائية للإنسان بين مراحل العمر المختلفة وما معها من تتنوع في المشاعر والأحاسيس، إذ إن لكل مرحلة عمرية نموذجاً مشاعرياً وصيغة عاطفية تسود في نفوس أفرادها، حيث إن البعض يسعى لتخطي المرحلة والانتقال لمرحلة أعلى منها فيشيب شاباً ويحمل الصفات التي لا تناسب مرحلته العمرية، أما البعض الآخر فيحب البقاء في مرحلة تتناسب مع تطلعاته أو تكوين شخصيته بشكل يبقيه طفلاً وإن تقدم به العمر فيرفض التطور المشاعري ولو أصبح كهلاً، ولكن الصفة الجامعة التي يتفق عليها الجميع إن مرحلة الطفولة هي الأجمل بين كل مراحل العمر. فذكريات الطفولة كما يقول البعض «كالوردة البيضاء نسعد كلما نظرنا لها» نحاتجها كي تريحنا من هموم الدنيا ونسعد بها في الخفاء وفي العلن، وإن التعبير عن تطور هذه المشاعر في الأدب أمر هام يسهم في رسم معالم النص الأدبي بشكل واضح، ومن خلال الاطلاع على كتاب «المشاهد الأخيرة» للقاص سامر المعاني والذي احتوى على سبعة عشر قصة قصيرة نجد أن القاص قد تناول الجانب المشاعري بوصف متقن للشخوص الرئيسية ضمن قصصه المختلفة وعمل على التركيز على البعد الداخلي للشخصيات بشكل أكبر من البعد الخارجي لها، ولقد حملت هذه القصص أفكاراً رئيسية مميزة ذات منطوق واضح ومفهوم يغرق في الرمزية الهادفة من جانب آخر، وسوف أتناول بإيجاز تطور المشاعر والعواطف المرتبطة بالطفولة ودلالاتها في ثلاثة نماذج قصصية مختارة من هذا الكتاب، وهي قصة «ذاكرة الغياب» وقصة «رصيف الذاكرة» وقصة «أنين الصمت». أولاً: ستكون البداية من قصة «أنين الصمت» ص93 حيث تتناول مشاعر الطفل تجاه أبيه فرسمت جانباً تربوياً هاماً ووثقت لمشاعر الطفل أثناء رحلته المدرسية وكيف يسعد بها ويتحرك خلالها ويغني في ذهابه وعودته، والأب يحرص على تعليم وإسعاد ابنه والابن الطفل يفهم ذلك ويقدره ويشعر بتعب أبيه الذي يقدمه لإسعاد أبنائه، فهو طفل واعٍ تربى بشكل صحيح يحزن عندما يرى التعب يظهر على والده يُحس به، يأن في صمت على والده الذي يجتاحه الإرهاق من أجل تقديم الأفضل لأطفاله. هنا نرى إشكالية المشاعر الطفولية التي تراوحت ما بين الفرح والسعادة لرحلة مدرسية وبين مسؤولية الالتزام والشعور الطفولي الذي يميل للكبر وفهم الواقع والخروج من عوالم الحياة الحالمة التي يعيش بها الأطفال في الغالب، قصة تربوية تعلم المسؤولية والرقي في التفكير والسلوك وبناء الجيل من خلال العطاء، فعطاء الآباء المخلص لأبنائهم لا يضيع سدىً. ثانياً: قصة «رصيف الذاكرة» ص 45، في هذه القصة التي تروي سيرة محبين أحدهما يعيش شبابه بفكر الكبار فيشتاق لأن يبني بيتاً ومستقبلاً يسير طبيعياً كغيره من الشباب، بينما تبقى الشابة في بوتقة فكر الطفولة فهو يقول «غير أنها، كانت كما الطفل، الذي اعتاد على الحلوى والألعاب»، وهي بعد أن قرر البوح لها وجدها مهتمة فقط بفستانها الجديد بفرحة الطفل في يوم عيد، هنا نرى هذه المفارقة الفكرية التي تظهر لدى شابين من نفس العمر فيحمل هو المسؤولية وتبقى هي ثابتةً في عالم الطفولة الوردي الذي يشتاقه الكل ولا يبقى فيه غير الرافض للواقع والمقاوم للتغيير. ثالثاً: قصة «ذاكرة الغياب» ص 29 التي تروي قصة شاب غاب مع الحياة تاركاً من أحب في اغتراب وظيفي حتى مضت الأيام والسنوات ولما عاد سبقه الغياب إلى من كان وما زال يحب، فكم تمنى أن يعود إلى المقاعد التي كانت لهم وإلى الأشجار التي كانت بهم تورق ظلاً، لكنها فقط كانت أرشيف شبابه فكل رسائل البريد التي ضمتها العيون التائهة ما زالت تبحث عن ساعٍ ليوصلها، ذكريات الشباب هي مداد الرجوع ودرب العودة، وهنا في هذه القصة رسم سامر مشاعر الكبار وشوقهم للعودة إلى مرحلة الطفولة والشباب بكل ما فيها من مدركات مختلفة. كتاب «المشاهد الأخيرة» للقاص المبدع سامر المعاني يحتاج للعديد من القراءات المتعمقة، فهو قد تضمن الدهشة والتكثيف وجمالية وصف الفكرة ولم يركز على الشخوص بقدر تركيزه على الفكرة والمفاهيم المختلفة الجميلة والجاذبة، لغة عالية وارتباط وثيق بالواقع والموروث الفكري ورمزية في المشاعر والأحداث المتنوعة يمكن إسقاطها على العديد من المتغيرات.