يضم هذا الكتاب أوراق ندوة «القدس في كتب المؤرخين العرب» التي عُقدت في جامعة اليرموك بدعم من وزارة الثقافة بمناسبة احتفالية إربد العاصمة العربية للثقافة للعام 2022، وبما أن القدس لها مكانتها المرموقة على مرّ العصور فقد كانت محطّ أنظار الباحثين والدارسين العرب وغير العرب، وإن ما تتعرض له مدينة القدس من تهويد وأسرلة على أيدي الكيان الصهيوني دفعنا، نحن مركز دراسات القدس، لعقد هذه الندوة وغيرها، لتسليط الضوء على المدينة المقدّسة ومكانتها العظيمة وعلى جهود الأقدمين من المؤرخين وغيرهم. جاءت أوراق الباحثين في هذه الندوة لتؤكد الحق التاريخي العربي في القدس وما حولها، وتفنيد المزاعم الصهيونية وتدحض روايتهم المزيفة، ومن هذا الباب نضع بين يدي القارئ أوراق الباحثين التي جاءت في هذا الكتاب لتستشرف المستقبل، وتلقي الضوء على ما جاء في بطون كتب التاريخ، فكانت ورقة د. هند أبو الشعر بعنوان: «توثيق تاريخ القدس في نهاية العصر العثماني»، حيث توجّه دعوة في خاتمة بحثها بالقول: «فإن خصوصية المدينة المقدسة تدعونا للمطالبة بتولي المؤسسات خططًا مدروسة للتوثيق للقدس في هذه الفترة الصعبة، التي شهدت ضعف السلطة العثمانية، وتزايد النفوذ الأجنبي والقناصل الأجانب، وفتح باب الهجرة على مصراعيه، ويبدو أن ما قيل عن موقف السلطان عبد الحميد الثاني من الهجرة الصهيونية بحاجة إلى إعادة نظر ومراجعة موضوعية، ومع كل هذا التهويد وتراجع الوجود العربي المسيحي في القدس، ومع بشاعة ما تحدثه الدولة الصهيونية من مصادرة للهوية، ومحاولة محو الصورة العربية، فإن عروبة القدس هي الحقيقة التي لا تموت في كل مصادر التوثيق». وهذه الدعوة تقع على عاتق الدارسين والباحثين والمؤسسات أيضاً في العودة إلى الوثائق العثمانية التي تتحدث عن القدس والهجرة الصهيونية وما ترتبّ عليه من ضياع فلسطين وإقامة وطن لليهود، وإنشاء ما يسمّى بدولة إسرائيل. لعلّ ورقة الدكتور محمود يزبك «الوثائق الفلسطينية في الأرشيف الصهيوني» تأتي استكمالًا لورقة الدكتورة هند أبو الشعر التي تتناول أرشيفات المؤسسات الفلسطينية منذ أيام الحكم العثماني والانتداب البريطاني، وتلك الأرشيفات قد استولت عليها الحركة الصهيونية، وأصبحت جزءًا من أرشيف (الدولة الإسرائيلية). وقد عملت إسرائيل على تهويد الأسماء الجغرافية، والمواقع الأثرية داخل مدينة القدس، وهذا ما تكشفه ورقة الدكتور خليل التفكجي وتنبّه إلى «المخاطر التي تهدد التراث المقدسي». توصلت ورقة الدكتور عمر الغول «طبوغرافية القدس في المصادر العربية» إلى نتيجة مفادها أن المصادر العربية التي تقف على الطبوغرافية التاريخية للقدس لا تسعف الباحث قبل القارئ في الوقوف على مواقع القدس وأسمائها في فترات تاريخية مختلفة. تناولت ورقة الدكتور وليد العريض «القدس في رحلة أوليا جلبي» باعتبار أن رحلة الجلبي من الأهمية بمكان أن يقف عليها الباحث، وهي رحلة تقدّم وصفًا دقيقًا لرحلة الحج الشامي على لسان أحد حجاج قافلة الأتراك التي بدأت من استبول وانتهت في مكة، وجاءت في عشرة مجلدات. خصّ الدكتور علاء الدين زكي ورقته، التي جاءت بعنوان: القدس في أدب الرحالة العرب القدماء، رحلة أبي بكر بن العربيّ، مُعرّفاً ودارسًا ومحلّلًا، بوصفها أنموذجًا لفن الرحلات العربية، وقد دوّن ابن العربي رحلته المسمّاة بـ «ترتيب الرحلة للترغيب في الملّة»، حيث وصف فيها المعالم الأثرية التي زارها في القدس. ختامًا، يجد القارئ في أوراق الكتاب هذا ما يؤكّد على عروبة القدس، ونظرًا لأهمية القدس ومكانتها التاريخية والدينية والثقافية، وللخطر الشديد الذي يهدد مدينة القدس عبر سياسة ممنهجة غرضها تفريغ هذه المدينة من عروبتها، والعمل على تهويدها، وجاء عقد الندوة التي حملت عنوان: القدس في كتب المؤرخين العرب، للتعريف بمكانة القدس تاريخيًا، والرد على سرديات إسرائيلية تسعى إلى نفي الوجود الفلسطيني في القدس، وتعمل على اختلاق الأكاذيب لتحقيق غاياتها المغرضة.