|
عرار:
أحمد الكواملة هكذا هي تجربة الشاعر غازي الذيبة كما هو شخصيا، يشبهنا جميعا ولا يشبهه أحد، يقدم ذاته عبر صياغات سردية نثرية تكاد تكون نسيج وحده، مع تقاطعها بتجارب عديدة، لا تشير إلى أحد، ولا تشي بالكأس التي نهل منها، لكنها تؤكد انه ابن عشرات الينابيع وآلاف الغيمات. هكذا تداعت هذه المقدمة وأنا اقلب النظر في مجموعة «تفاحة الأسرار» للشاعر «غازي الذيبة» قصيدة نثرية واحدة طويلة، تمتد على أديم أكثر من مائتين وخمسين صفحة، يقدم عنوانها تفاحة الأسرار إيجازا بليغا عما ستمطرنا القصيدة من حالات وإحالات مدهشة مثيرة، لا تخلو من دلالات وإيهامات وإبهامات تأخذنا صفحات القصيدة عبر والى محطات تمثل تعلق وشغف واهتمام الشاعر منها: «حلقي يا شقيقتي الصغيرة فوق كتف الغيوم اركضي في سهوب الحلم انثري زهرك الندي على الطرقات ستتفتح الأزهار قصيرة القامة في نيساننا القادم وأنت تقايسين الشجرة طولك». نرجسية ولكن: كما هو الشاعر لا يخلو من نرجسية، يقارفها أحيانا، ويبحث عنها لتكمل صورته، ويطلق نشيده العاشق للضوء والغناء: «آه أيها النرجس يا مديح الأبيض في مائه لا تتركني ارفل بصوتك وهوائي بعيدا عن القصيدة لم تعد نزواتي مسيل ينبوع هادئ لم يعد ضجيجي خافتا وقميصي لم يعد ابيض». يا صاعد الجبل: كمن يَصَّعَدُ الجبل، حاملا همه على ظهره، يرى من بعيد بلاده المنهوبة، يسكنه أمل الوصول: «يمر يانعا قادما من جائحة أخرى من زمن تتكسر فيه بلاد نهبتها الروايات ومن ضفاف منهوبة وسكر مر يمر ملتفا بعناية الامل يصعد جبله النائي يده على قلبه وعيناه على أجنحتنا الغائمة»: معطف الشاعر المنهزم: هكذا هو يجمع كل متناقضات الدنيا، يحاول قول كل شيء، ولا يقول شيئا: «كل حروبك تيه كل أغانيك دمع كل هدوء عرفك بالسكينة بعثرته قدماك خرج عتاة لا يشبهون الرماد خرج دعاة سلم من أفواه البنادق ودعاة حرب من أصص الورد شعراء عراة من الكلمات كلهم خرجوا من معطف صوتك المنهك». الأم.. الأم.. أم البدايات: كما النور هي نقية، تنثر نبضها حبا ودعاء، تبلسم جراحنا بظلالها وكرومها الوارفة: «أيتها النقية التي توضئنا بالأغاني وتمسح رؤوسنا بالارتعاش وتنثر نبضها حبة.. حبة في جراحنا أيتها الام المغدقة صلواتها مطرا الفارهة الرقة.. الرؤوم النهر في فيضه وفي انشراحه وفي مضيه الهادئ الظلال والكروم والغدران». صورة المرأة: هي حالة عشق خفي حذر مراوغ، هي حالة موت يفضي إلى الحياة، أو حياة تفضي إلى الموت، حالة من الوضوح والالتباس والغموض: «ها أنت تلمين خصلاتك صرت ترفعين شعرك إلى الوراء وتلونين أظافرك صرتي تقفين أمام الستارة وقلبي يرقبك متوجسا من التوجس الذي تتبادلين والفراغ ومن الأسئلة التي ترفرف مفاجئة لتودي بي إلى اللعثمة كأنما ارتجافك يكبلني كأنما جدول الموت في الحياة يمضي في طريقه النائية عني إليك كأنما إنا بلا مدى». انثيال القصيدة: هي أمنيات، قد تأتي وقد لا تأتي، فليت كما لو تفتح عمل الشيطان، لكن لابد من القصيدة وان طال الصمت، لابد أن تشرع باب الأمنيات: «ليتني ما بدأت هذه السرنمة ليتني انسرقت إلى التيه وفقدت بين شواهد الوقت ليتني غرفت من أغنيتي نثرها وأسعفتها بأطواق السرد لتنثال على قصيدتي». وللأب يرسل أغانيه، حيث يرى فيه البصر والبصيرة، وإدراك الغيب والغياب، نهر حب، إنها إشارة انتباه وتحذير: «آه أيها الأب وانت تختبر الغياب يا ولدي كن رؤوما بالدقائق ترفق بماء الزمان وكن ثاقبا البصيرة نهر كن مثل نبض أسلافك الطيبين فالأيام لو تدري يا ولدي مغوية تظل معلقة في المُضيّ إلى غاية لا يسددها الوقت». الابن المغرق في اللا شيء: حيث تكتنفه حالة من الغموض والضياع، يحيطه الفراغ، حالة من الجنون الممعن في فلسفة الحياة: «حيث أنا في الإطار في الصورة المبددة والواضحة أكون غامضا ومستترا كأن جنونا أغدق على الابن وهو يقص في وهو يقص في أحلامه مغامرات فائضة بالفراغ والشوارع». صور.. وصور: تشده الصور، طورا يكون هو الصورة، وحينا تكون الصورة للراحلين وساكني الأساطير، صور للبلاد والأحلام والأحزان: «الجد والجدة في هذا الإطار الأبيض المعلق على جدار الروح صور الراحلين صور المعلقين من أجراسهم في الذاكرة صور التائهين في الأساطير صور بلاد متروكة للهباء صور أحلام مسروقة صور حمام يتوق في أقفاصه للطيران صور صور...». صور مدهشة: أكثر من أن تعد تلك الصور الرائعة المدهشة المفتوحة على فضاءات التأويل، حيث تفضي إلى عوالم وسماوات غاية في التلون والثراء، وهذا قليل من كثير: نهر أنين يمرق محتفلا بخفوته. ذقنها الموشومة بالزعتر. نترجل عن فرس الصور. حيث يستيقظ الخفوت. الطالع من رهافة الطين. وأخيرا: تبوح لي تفاحة «غازي الذيبة» بقليل من أسرارها، وكأنها دعوة لقراءة أخرى وأخرى، لتبوح بالمزيد... مجموعة مميزة جديرة بمقاربة أكثر عمقا. جريدة الدستور الاردنية الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الخميس 23-11-2023 10:14 مساء
الزوار: 684 التعليقات: 0
|