الدور الأبرز للمثقف هو توعية الناس بمعنى المقاومة الشعبية وأهميتها
عرار:
نضال برقان على الرغم من أهمية دور المثقف الحقيقي، في مختلف الظروف التي تواجه مجتمعه، بيد أن ذلك الدور يتعاظم في اللحظات الحرجة والفارقة من التاريخ، حيث يتجلى اشتباكه الفاعل مع قضايا الأمة المصيرية. وبينما تواجه الأمة العربية تحديا مصيريا متمثلا بالعدوان الصهيوني الغاشم على الأهل في فلسطين عموما، وفي غزة على وجه التحديد، من قتل وتدمير ممنهج للبنية التحتية والصحية، ومحاولات التهجير القسرية للشعب الفلسطيني، فإننا نتوجه بمجموعة من الأسئلة التي تتمحور حول دور المثقف الحقيق وما يُنتظر منه في اللحظات الحرجة والفارقة من التاريخ، إلى مجموعة من المثقفين، ومحطتنا اليوم مع الشاعر والروائي علي طه النوباني: برأيك، ما الدور الذي يمكن أن يقوم به المثقف العربي في ظل العدوان الغاشم الذي يقوم به الاحتلال في غزة؟ - ربما يكون الدور الأبرز للمثقف هو توعية الناس بمعنى المقاومة الشعبية وأهميتها، وإمكانية تحقيقها لأهدافها مهما كان الفرق بين قوة المقاومة وقوة العدو، ويكون من الضروري هنا التذكير بأمثلة من حركات التحرر؛ مثل فيتنام والجزائر وليبيا. ولعل من المهم أن يقوم المثقف بالمتابعة والفرز، وأقصد بذلك مواجهة السيل العارم من البيانات والمعلومات والتي تتضمن الكثير من المواد التي تم تصميمها مسبقا لبث روح الهزيمة والانكسار بقصد مساعدة الناس على فرزها وبيان غثها من سمينها والحد من انتشار المضلل منها، ولعل هذا يتطلب أن يكون المثقف متصلا بالناس، وليس منعزلا في برج عاجي، والانعزال لا يكون بالضرورة مكانيا، فقد تكون اللغة الصعبة حاجزا يحول بين المثقف والناس، وقد يكون عدم القدرة على استعمال تكنولوجيا الاتصال حاجزا أيضا. يعيدني الراهن العربي إلى طبيعة العلاقة بين المثقف والحدث الراهن والمعيش، ترى لماذا لا نسمع صوتا (قويا) للمثقف العربي في اللحظات الحرجة والمفصلية من تاريخ الأمة، مثل اللحظة الراهنة التي نعيش الآن؟ - لقد تعرض المثقف العربي لظروف معقدة؛ تضمنت التجاهل الممنهج والإفقار وتحطيم قدرته على الإنتاج والمشاركة، وهو على الرغم من كل ما تعرض له يقوم بدور فعال يشمل كافة الميادين، بدءا من ساحات التظاهر، وليس انتهاء بالمعارك الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي حيث يحاول عدد كبير من المثقفين العرب مواجهة هجمة التضليل والكذب التي تقوم بها الصهيونية العالمية ومؤسساتها التي تمتلك إمكانات هائلة مقابل مثقف أنهكته الظروف الصعبة التي لا تتسع هذه العجالة لعرضها. وعلى أي حال فإن الجهد المبذول يبقى في إطار الجهود الفردية للمثقفين، لأنهم لا يمتلكون مؤسسات، وهي وإن وجدت ضعيفة أو موجهة ولا تضمن للعاملين ضمنها هامشا كافيا للعمل الإيجابي الفاعل. ترى هل تناول المثقفين للأحداث الكبرى واللحظات المصيرية في تاريخ الأمة من شأنه أن ينعكس بشكل إيجابي أم سلبي على المنتج الإبداعي، ولماذا؟ - اللحظات المصيرية لا تزيد المثقفين التصاقا بقضايا أمتهم وحسب، وإنما تجعل الرؤية أكثر وضوحا وعمقا، وتجعل الأعمال الإبداعية التي تنبع منها أكثر قيمة وأكثر مساهمة في بناء الوعي الجمعي المقاوم للأمة، بل إنها تمنح الأعمال الإبداعية استدامة للأجيال القادمة لكي يبنوا على تجارب أسلافهم. وربما تكون المرحلة القادمة مرحلة ثقافة المقاومة التي تمثل المسار الوحيد نحو التحرر العربي، وخروج الأمة من فلك الإمبريالية التي تنهب بلادنا وتقتل شعوبنا بالقهر إن لم يكن بالقنابل والأسلحة، وهي مرحلة تعد بالكثير من الإبداع الذي يواكب عقل المقاومة والفعل المقاوم. وإنما مبعث ذلك أن اللحظات المصيرية والحاسمة من شأنها أن تراكم أضعاف التجارب التي تتراكم في فترات الخمول والموت الصامت، فتنعكس إبداعا يلهب روح الأمة ويحيي ما خبا فيها من رغبات للنهوض والتحرر.