الثقافتين الكردية والعربية، فقد حدثت تغيُّرات عميقة في الواقع الكردي بعد الفتوحات العربية الإسلامية، وخلال مدة طويلة تتجاوز الثلاثة قرون، تمثَّلت هذه التغيرات في مختلف مظاهر الحياة من اجتماعية وسياسية واقتصادية، وكان سببها انتشار الإسلام.
فقد ساعدت هجرة الأكراد نتيجة تعرضهم لحالات التهجير أو لهربهم من الإبادة إلى تغيير مكان إقامتهم التاريخية وأرضهم ، على الاختلاط بباقي الشعوب التي تسكن المنطقة.
في بعض الحالات كانت القبائل الكردية تستقر في هذه المنطقة أو تلك وتختلط بالسكان المحليين  وبسلالات أخرى  لذا  ينبغي الإشارة بصورة خاصة إلى عملية  التتريك أو التفريس أوتعريب الأكراد والتي تعمقت كثيرا نتيجة اعتناقهم الإسلام.
ولكن بالرغم من تعرض الشعب الكردي للكثير من تلك المظالم من قمع وإبادة وتهجير إلا أنه ظلَّ محافظً على خصائصه القومية واللغوية والثقافية والاجتماعية، ولكنه أيضا كان من أكثر الشعوب تأثراً بالثقافة العربية الإسلامية، وذلك  من منطلق استعماره من قبل دولتين عربيتين إلى جانب دولة فارسية وأخرى تركية، لذا فقد كان حظ العرب  أوفر في عملية التأثير والتأثر، وأيضا من منطلق التشابه بين موروث  الشعبين القائم على التشابه في العادات والتقاليد، لكن تأثير الإسلام كان أكبر تأثيراً على الثقافتين وخاصة العربية إذ أن الرسول (ص) كان عربيا والبيئة عربية بامتياز، أما ما خلا ذلك  من الشعوب فقد دخل الإسلام عن طريق الفتوحات الإسلامية؟
هذا كله لايمنعنا من القول أن للثقافة الكردية الأثر البالغ والواضح في  تعميق دور الثقافة العربية على جميع الأصعدة، على أنها ثقافة تكاملية  وليست تضادية كما فهمها البعض من المتشددين للقومية والعروبيين.
ففي المجال السياسي ظهر قادة أكراد تجاوزوا انتماءهم العرقي ليتحولوا إلى مدافعين عن الدولة الإسلامية،  الأمر الذي شجعهم ليهتموا بجميع نواحي الحياة الأخرى( العلمية- الثقافية- الإجتماعية- الإقتصادية-....) إنطلاقاً من كونهم  كأمراء وخلفاء. وخير مثال على ذلك: الدولة الأيوبية التي أسسها صلاح الدين الأيوبي، الذي لم يكتف بالدفاع عن العرب المسلمين بل امتد نشاطه إلى تشجيع العلم والعلماء ببناء المدارس والجامعات والمستشفيات و.....
وقد ظهر في تلك المرحلة من الزمن المؤرخ أبو الفداء إسماعيل بن المظفر ، والشاعر الأيوبي الأمجد بهرام شاه وغيرهم....
كما ظهر على الصعيد السياسي من كان لهم الدور الأكبر في بلورة الفكر السياسي وتعميقه  مثل  محمد كرد علي ابن خلكان وغيرهم أمثال سليم بركات من الكتاب الكرد الذين أضافوا إلى قاموس اللغة العربية مئات المفردات الاشتقاقية المتصرفة.
عملية التأثير امتدت إلى الفن التشكيلي والفن التلفزيوني والسينمائي وغيرها من المجالات التي لعبت دورا مهما كعامل ثقافي هام وحامل  لحضارة بلد ما. فقد ظهرت شخصيات فنية مهمة أمثال عمران حمدي (مالفا) كفنان عالمي يحاول التوفيق بين روح الشرق المغروزة في داخله وبين العالم الجديد الذي يقيم ويعمل فيه حالياً،
في النهاية لست هنا بصدد ذكر الأسماء الكردية التي أثرت بشكل فعلي في الثقافة العربية وخلقت منها ثقافة عالمية وإنما لأبين بصورة عامة التبادل الثقافي والحضاري الذي يتم بين الشعوب ، وأن الثقافات  من الممكن أن تتلاقح وتستفيد من بعضها البعض في عملية التقدُّم إذا تم التخلص من نزعة الإلغاء والتعامل مع الشأن الثقافي  العام  على أنَّه حاضن الوعي الكلي للحضارات والأمم بصورة عامة.
وسيكون لي بحث مطوَّل في هذا الجانب الفكري المهم.