|
عرار:
د. عادل جوده* اعتدنا (أسرتي وأنا) منذ ما يزيد عن الأربعين عامًا، أن نقضي بعضًا من الإجازة السنوية في ربوع الأردن الحبيب، وخصوصًا في «منطقة وادي السِّير» بضيافة ابنها البار الأخ العزيز إبراهيم حسن صندوقة؛ أبي رأفت، وأسرته الكريمة، وعموم آل صندوقة وفي مقدمتهم إخوانه الكرام الذين يحتضنوننا بحسن الاستقبال، وكرم الضيافة، وعبق الوصال، وألق الوداع. وعامًا بعد عام، بدأت مكانة هذه المنطقة الريفية الرائعة تزداد في قلبي حتى بت أنتظر إجازتي السنوية شوقًا لها ولأحبتي فيها. ليس هذا فحسب، بل وجدتني في الكثير من الوقت أغوص متأملًا «منطقة وادي السِّير»، ومتحسسًا حاجتي لمعرفة المزيد عنها، فما أن غادرتها بعد نهاية إجازتي في عام 2012م، ووصلت مدينة الرياض الغالية؛ حاضنتي وشاهدة ولادة أبنائي، حتى امتطيت صهوة «جوجل» بحثًا عن ماهية «وادي السِّير» وتاريخها، فحط بي السيد جوجل في رحاب موقعين إلكترونيين يشتملان على معلومات تقريبًا متطابقة؛ وكأنَّ أحدهما أخذ عن الآخر، هما: «موسوعة ويكيبيديا» و»موقع شمس الأردن»، حيث وقفت على معلومات قيّمة تستحق تسليط الضوء عليها؛ ويسرني ههنا أن أقتبس ـ بشيء من التصرف ـ بعضًا مما ذكر عنها: تقع «منطقة وادي السِّير» ـ بتشديد السين وكسرها، وسكون الياء ـ في الجزء الغربي من العاصمة عمّان، يحدها من الشمال «تلاع العلي» و»الصويلح»، ومن الجنوب «بلدية الوادي الأخضر»، ومن الشرق «منطقة زهران»، ومن الغرب «منطقة بدر الجديدة»، كانت مدينة مستقلة قبل أن تصبح جزءًا من العاصمة، وهي من المدن الأردنية القديمة التي كانت مأهولة بالسكان، وتشتهر بالزراعة، ومازالت كذلك. أما عن سبب تسميتها بهذا الاسم، فهنالك روايتان؛ تقول الرواية الأولى، وأظنها الأقرب إلى الصواب، أن التسمية جاءت نسبة إلى إحدى ملكتين كانتا تحكمان المنطقة قبل الميلاد؛ هما «سيرا» و»سارا»، وأظنها نسبت إلى «الملكة سيرا»؛ إذ عرفت بعد ذلك (بوادي السِّير). بينما تقول الرواية الأخرى إن سبب التسمية يعود إلى كون بناء عراق الأمير المسمى «قصر العبد» يمتد من الشمال إلى الجنوب نحو خمسمـائة متر، ويرتفع من 25 إلى 30 مترًا، وهو محفور في الصخر، ويتكون من طابقين، وكان يستخدم غرفًا للسكن، ومخازن للتموين، واسطبلات للخيل، وحملت هذه القلعة في الماضي اسم «تيروس»؛ وهي لفظة يونانية يقابلها في الآرامية «تورا» وتعني القلعة، ولفظتها العرب «سِير» وهكذا سميت «وادي السير». تبلغ المساحة الإجمالية لمنطقة وادي السِّير (39 كم2)، وتتكون من بلدة وادي السِّير القديمة، وعراق الأمير، والبصة، والذراع، وأبو السوس، والبحاث، والدربيات، والبيادر، والصويفية، ومربعة موسى، والجندويل، وحانوطيا، والكرسي، والرونق، والروابي، وأم أذينة، وغيرها. ويبلغ عدد سكانها حوالي (85000) نسمة، ومعظم سكان المنطقة الأصليين من قبيلة عبّاد (العبادي)؛ وهم أقدم من سكن منطقة وادي السِّير من القبائل العربية، ومن العشائر التي سكنت وادي السِّير: عشائر الحسامية، وعشائر الفقهاء (السليحات، والمهيرات، والمغاربة، والمحاميد، والسكارنة، وغيرهم)، وعشائر المناصير، وعشائر الزيود. تعاونت العشائر العربية والشركسية على تخطيط موقع البلدة تخطيطًا هندسيًّا جميلًا، وشرعوا في بناء منازلهم من الحجارة والطين أو من الطوب الطيني لإقامة الجدران، إضافة إلى الأخشاب والقصيّب والدفلى للسقوف، وشقوا الطرق، واستصلحوا الأراضي الوعرة المجاورة، وأصبحت البلدة بفضل جهودهم الدؤوبة محاطة بحقول القمح والشعير والقطاني الممتدة لمسافات شاسعة، وأنشأوا الحدائق المنزلية الغنية بكروم العنب وأشجار التين والزيتون والليمون، وأنشأوا البساتين الغنية بمختلف المزروعات في المناطق الملاصقة، وخصّصوا لعملياتهم الزراعية الحقلية منطقة خاصة أسموها «البيادر»؛ حيث تجمع محاصيل القمح، والشعير، والحمص، والعدس، والجلبّان، داخل سبلاتها وأغلفتها الجافة، على شكل أكوام كبيرة، لتتم عمليات درسها باستخدام ألواح الدراس الخشبية ذات الحجارة الصوانية المثبتة في أسفلها، ثم عمليات التذرية للحبوب بغرض فصل الحبوب بواسطة الهواء عن القش المطحون الخشن المسمى بالقصول، والقش المطحون الناعم المعروف بالتبن، ومع تراجع العمليات الزراعية، وتزايد الحركة العمرانية تحولت «البيادر» إلى منطقة جذب سكاني حتى أصبح عدد سكانها الجدد أكثر من عدد سكانها الأصليين. ويشكل سكان منطقة وادي السِّير اليوم مجتمعًا متجانسًا يشمل العشائر العربية وعشائر الشراكسة، ومن عشائر الشراكسة: «عشيرة هاكوز»، و»عشيرة لبزو»، و»عشيرة قوطة»، و»عشيرة إسحاقات»، و»عشيرة تغوج»، و»عشيرة يخوله»، و»عشيرة نباص»، و»عشيرة حجرات»، و»عشيرة بزادوغ»، و» عشيرة خوت»، و» عشيرة صوبر»، و»عشيرة جنب»، و»عشيرة ألخص أبده»، و»عشيرة جيكات»، و»عشيرة غوناجوقوة»، وغيرهم. أما العشائر العربية فمنها: «عشيرة بني عباد» المشار إليها أعلاه، و»عشيرة الأنصاري»؛ (الأماينة؛ نسبة إلى الأمين)، وهي من العشائر القديمة التي سكنت وادي السِّير، حيث قدمت إلى الأردن من المدينة المنورة عام 1824م، وتنحدر «عشيرة الأنصاري» من نسل الصحابي أبي أيوب الأنصاري، و»عشيرة أبوداري»، و»عشيرة بدوي»؛ (أبوديه)، و»عشيرة بني طريف»، بالإضافة إلى العشائر المهاجرة من فلسطين في فترات ومناسبات مختلفة كحرب فلسطين عام 1948م وحرب 1967م، ومنهم «عشيرة القيسية»، و»عشيرة ياسين»، و»عشيرة البراهمة»؛ (بني خطار، وبني السالم، وبلوطة)، و»عشيرة صندوقة» التي أنال شرف التواصل مع أبنائها الأكارم، و»عشيرة أبو السندس»، و»عشيرة العقيلي»، و»عشيرة أبو العسل» و»عشيرة التياها»، ناهيك عن العديد من عشائر قرى الخليل، وقرية أبوديس، وقرية الولجة، ومدينة بئر السبع. وبرغم التنوع الديموغرافي لهذه العشائر، إلا أنهم على درجة عالية جدًّا من الترابط والتحاب؛ إذ تجمع بينهم صلات أخوة، وعلاقات جوار يسودها التفاهم والتعاون والاحترام. وقد توقفت طويلًا مع أبيات متفرقة للشاعر (عرار) الذي تعرفت إليه أثناء جولتي عبر هذين الموقعين، وهو: مصطفى وهبي صالح التل، (1899-1949)، وهو من أشهر شعراء الأردن، وقد لُقب بشاعر الأردن، ويتسم شعره بالجودة والرصانة، ومناهضة الظلم، ومقارعة الاستعمار، حصل على وسام النهضة من الدرجة الثالثة، ومما قاله في وادي السِّير: لَيْتَ الْوُقُوفَ بِوَادِي السِّيرِ إِجْبَارِي وَلَيْتَ جَارَكَ يَا وَادِي الشِّتَا جَارِي لَعَلَّنِي مِنْ رُؤَى وَجْدِي الْقَدِيمِ بِهِ أَرْتَادُ مَسًّا لِجِنِّيَاتِ أَشْعَارِي وَعَلَّنِي قَبْلَ أَنْ تَبْيَضَّ مَسْرَبَتِي وَيَقْضِي عُرْفُ جَدْوَاهُنَّ إِنْكَارِي وَتَنْتَفِي نَبَرَاتُ الْوَجْدِ مِنْ نَغَمِي وَتَجْتَوِي نَغَمَاتُ الشَّوْقِ قِيثَارِي مِنَ الصَّبَابَاتِ أَقْضِي بَعْضَ مَا بَرِحَتْ بِهِ تَشَبَّثَ رُغْمَ الشِّيبِ أَظْفَارِي فَأَلْمَسُ الشَّوْقَ فِي أَطْلَالِ ذَاكِرَتِي وَأَلْمَحُ الْحُبَّ فِي أَنْقَاضِ أَوْطَارِي وَلَا أَرَى الْخَفَرَاتِ الْبِيضِ مُعْرِضَةً عَنِّي تَأْفَفُ مِنْ خَبَرِي وَأَخْبَارِي وَلَا أُبَالِي إِذَا لَاحَتْ مَضَارِبُهُمْ مَقَالَةَ السُّوءِ فِي تَأْوِيلِ مِشْوَارِي فهمست إليه: لَا تُلَامُ يَا عَرَارُ فِي بَوْحِكَ الشَّادِي بِوَادِي السِّيرِ وَثَغْرِهَا وَشِفَاهَا فَنَبْضُ قَلْبِي يُعَانِقُ هَمْسَكَ النَّادِي وَلَيْتَنِي وَإِيَّاكَ نَسْتَوْفِي رِضَاهَا أَوَّاهُ مِنْ شَوْقِي؛ كَمْ أَتُوقُ لِأَرْضِهَا وَسَمَاهَا وَكِمْ يُدَاعِبُنِي عِطْرُ نَسِيمِهَا وَشَذَاهَا وَكَمْ أَحِنُّ لِسِهُولِهَا وَرُبَاهَا وَجِبَالِهَا سُبْحَانَ مَنْ أَرْسَاهَا رَبَّاهُ كَمْ تُرَاوِدُنِي مِيَاهُ نَبْعِهَا وَكَمْ يُحَاكِينِي تِجْوَالُهَا وَسُكْنَاهَا هَاتِيكَ الدِّيَارُ يَا عَرَارُ عَرُوسٌ تَخْتَالُ فِي صِبَاهَا وَغَيَّاضَةُ الْعَذْرَاءُ يَا سَعْدَ مَنْ رَآهَا وَحَارَةُ الْقِيسِيِّة؛ يَفِيضُ فِي الْوَجْدِ ذِكْرَاهَا وَالرَّبَاحِيَّةُ الْجَنُوبِيَّةُ جَنَّةُ الْوَادِي؛ لِلَّهِ دَرُّ أْهْلِهَا هُمْ أَحِبَّتِي وَهُمْ عُنْوَانُ حَلَاهَا. *عضو اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين aaajoudeh@hotmail.com الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 02-09-2022 10:24 مساء
الزوار: 680 التعليقات: 0
|