|
عرار:
ما أن انتهيت من قراءة كتاب «تاريخ الاتصال والإعلام العربي 150: ٌق.م-الحاضر الرقمي» لمؤلفه الدكتور عصام سليمان الموسى، حتى أعدت قراءة كتاب «التاريخ الاجتماعي للوسائط» الصادر عن «عالم المعرفة» في الكويت، لأن الكتابين يتقاطعان في عدة نقاط؛ فكتاب د. الموسى يتحدث عن تاريخ الاتصال العربي والاسلامي، والآخر عن الاتصال في الغرب مع التركيز على الولايات المتحدة، ذللك ان قصة الحضارة الغربية قامت على التقدم التكنولوجي وفي صميمه تكنولوجيا الاتصال والوسائط. ولا شك أن اختراع الخط (الذي جرى تطويره في مملكة الانباط) والقراءة وتطوير صناعة الورق في الدولة العباسية كانت عوامل اساسية في تخزين ونقل وتراكم المعرفة وتبلور الهوية العربية. ومع قطار الإسلام انتشر الحرف النبطي العربي في كتابة لغات أخرى كالفارسية والتركية وما يمثله ذلك من قوة ناعمة ونفوذ حضاري. ومن المفارقات أن ثورة الاتصال الأولى (حسب تعبير د. الموسى) لم تتوافق مع حرية الرأي والتعبير في التاريخ العربي «الذي كان سلطويا في مجمله»، عكس الطباعة في اوروبا مثلاً التي كانت عاملاً اساسيا في إشاعة حرية الرأي والتعبير ونقلها الى قيمة مجتمعية، فكانت البيئة الخصبة لازدهار التفكير واطلاق الطاقات والأكثر تأثيراً في اشاعة الحريات العامة والديموقراطية. وهناك شواهد تاريخية يسهب بذكرها د.الموسى وخلاصتها أن المجتمعات التي طورت وسائل اتصال فاعلة، تمكنت من تحقيق التفوق على المجتمعات الأخرى. ومنذ اختراع مطبعة جوتنبرغ في القرن الخامس عشر (ثورة الاتصال الثانية) حتى الآن كان الغرب سباقاً في التقدم في مجال الاتصال والمعلوماتية وبالتالي السيطرة والتحكم وتغيير وجه التاريخ. فمثلا اتاتورك اراد تغيير الحرف العربي في كتابة اللغة التركية في محاولة لقطع صلة الأجيال الجديدة بالماضي. وكانت الأنظمة الحاكمة العربية (والإسلامية) ترى في كل تقدم اتصالي وسيلة تهديد لسلطتها لذلك كانت تتعامل مع نتاجات هذه الثورات بردود الأفعال وبفكرة «الكأس نصف الفارغة» حتى اليوم. ومن أمثلة هذه السلبية أن وصول المطبعة للعالم العربي والاسلامي تأخر ثلاثة قرون بعد اختراعهالعدة أسباب جرى تغليفها بفتاوى دينية. وكان أول كتاب طبعه «جوتنبرغ» «الإنجيل»، الأمر الذي تسبب بصدور قرار بحرمانه كنسياً «لأنه اخترع أداة من صنع الشيطان»، لأنه أتاح للعامة قراءة الكتاب المقدس من دون وساطة الكنيسة. وبتبريرات شبيهة مغلَّفةبفهم خاطىء للدين تأخر وصول المطبعة للعالم العربي والإسلامي حتى نهاية القرن الثامن عشر بسبب فتوى من شيخ الإسلام بأن المطبعة «رجس من عمل الشيطان». وللمفارقة فإن أول طبعة من القرآن الكريم صدرت خارج العالم العربي والإسلامي وذلك في مدينة البندقية بايطاليا عام 1538م، كما كانت أول طبعة لكتاب «القانون في الطب» لإبن سينا قد تمت في ألمانيا وكذلك الأمر مع كتاب «الحاوي في الطب» للرازي الذي طُبع بأجزائة الثمانية عشر في لكناو بالهند قبل مائة سنة. ويبدو أن التاريخ يكرر نفسه، فالأمر نفسه جرى مع ثورة الاتصال الأخيرة والفضائيات عبر قوانين الجرائم الالكترونية في محاولات يائسة للتحكم بالفضاء الالكتروني. وكما أن الطباعة نشرت المعرفة بين الناس العاديين وعرفتهم بحقوقهم وحرياتهم وقلمت أظافر السلطة المطلقة وحتى الكنيسة، يبدو أن الثورة الرقمية تفعل الأمر نفسه. وقبل اندلاع الربيع العربي بستة أشهر كان د.الموسى قد تنبأ علميا بقرب اندلاعه، الأمر الذي فاجأ الكثير من الحكومات العربية التي فاتها القطار. ومع جائحة كورونا ثبتب نبوءة وزير التعليم في عهد كلينتون بأن الانترنت سيكون «سبورة المستقبل». ويختم د.الموسى سِفره هذا بتفاؤل مفاده «بزوغ فجر نظام اتصالي جديد في العالم العربي،على الرغم من محاولات السلطات الإبقاء على الوضع الراهن بما يخدم مصلحتها، وان نظاماً اتصالياً بدأ يتشكل خارج دائرة النفوذ السياسي الحكومي في وجدان المتلقي العربي يساعد الأمة على الصعود والنهوض. وهذه سُنّة اثبتها تاريخ الاتصال». المصدر : جريدة الدستور الاردنية الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الأحد 11-07-2021 10:34 مساء
الزوار: 802 التعليقات: 0
|