اختتام معرض الفنان التشكيلي جهاد العامري «ظل مفقود» في جاليري دار المشرق
عرار:
عمان:
اختُتم قبل أيام في جاليري دار المشرق بعبدون معرض الفنان التشكيلي الأردني الدكتور جهاد العامري والذي حمل عنوان «ظل مفقود» واستدعى الفنان فيه أجواء الأندلس وقصائد الشاعر الاسباني ابن مدينة غرناطة فيدريكو غارثيا لوركا، كما استعادت ريشة الفنان عبر مجموعة من اللوحات والخزفيات مناخات غرناطة الساحرة، كما ارتسمت في ذاكرة الفنان ومخيلته حيث أقام في اسبانيا سنوات ومنها حصل على شهادة الدكتوراة، وقد استوحى قبل ذلك مناخات الأندلس في معرض حمل عنوان «نقش على الماء». تأمل الفعل الجمالي وكان الفنان صاحب المعرض قد قدم لأعماله الجديدة كالتالي: ظـلت غـرنـاطـة تـراودنـي بـعد أن غادرتها، كأنها مديـنة الـتصقت بـذاكـرتـي إلـى الأبـد، فـما زلـت أتـأمـل الـفعل الجـمالـي فـي الـمكان هـناك، مـن عـمائـر وحـدائـق ونـقوش تهدّم ظلها وتـبدّل مساراتها فـي كـل لحـظة عـبر الـتخفي والظهور، بـدأت اقـتفي أثـر الـزمـن لاسـترجـاع ظـل اللحـظة هناك، ورغـم ابـتعاد الـمسافـة عـنها الآن، مـا زلـت أتـأمـل الـمفقود فـي ظلالها كـفعل تـراكـمي فـي الـمكان، إذ يـشف عـن مـرايـا الـزمـن الـساكـن والمتحـرك، إلـى جـانـب الـشعر الـذي يسـرد سـيرة الـفقد فـي الـنقش كسـيرة حـرف سـقط مـن تـرجـمة بـاحـث فـي مخـطوط كـتبه عاشق في لحظة ما. تـأخـذنـي الـعمائـر الأندلسية بتشكيلها الجـمالـي مـن خـلال اسـتخدام الـظلال الـتي تهدف الـى تـزيـين الـمبانـي وحـمايـة الـعناصـر، تـشكيل الـمرشـوم بـالـعناصـر الجمالية عـلى الجـدران الـمنفذة بـالـحفر الـغائـر والـبارز، إذ تتجـلى الـصور بتحويراتها الزمنية عـبر رحـلة الـشمس ومسـيرها الـيومـي، حـيث تـتدفـق الحـركـة عـلى الجـدران الـذي واظـب الـفنان الـمعماري الأنـدلسـي عـلى نـقش وحـداتـه الزخرفية والخـطية، فـحفر الـقصائـد عـلى واجـهات الجـدران ومـن خـلال اسـتدراج الـظل ومـفاراقـات الـنور فـي كـل مـساحـة فـي نـصوص الـقصائـد، وصـولا إلـى الـمفقود والـمتآكـل مـن انـشاء هندسـي سـقط بـفعل الـزمـن، أو مـن حـرف تحـررّ مـن جسـد الـشكل الـى روح الـظل حيث يتساوى الظل والشكل كما يتساوى المتن والهامش في المخطوط. قيمة متفردة ويتابع العامري: فـالـظل بـالنسـبة لـي مـفردة مسـتقلة وذات قـيمة مـتفرّدة؛ لأنـها شـكل قـائـم بحـد ذاتـه وهو مـرآة يـبدعـها الـضوء، وتحوير للشكل وتمرّد عليه، وتأويل بعيد للمخيلة. بقي ظلًّ المفردات يراودني في حوار لم ينتهِ بعد، غـرنـاطـة هي ذاتـها الـرمـانـة الـمقدسـة الـتي تـتمرأى فـي أعـمالـي وتـتحول كـرمـز للجـمال والأنـوثـة، فـتارة تـكون بجوار المرأة التي تنظر إليها بصمت وتارة تتنقل إلى الطاولات والكراسي الخالية. الـرمـان الـذي ارتـبط بـمديـنة غـرنـاطـة والـذي أخـذ ظـلها رمـزا ً لـلمديـنة، أعـادنـي إلـى رحـلة هذه الـنبتة الـتي سـافـرت مـن بـلاد الـشام إلـى الأنـدلـس، وكـانـت فـاتـحة الـفعل الجـمالـي هناك، وقـلباً يـملأه الـزمـرد الأحـمر كـحباّت ضوء تنبض بالمكان؛ كما يقول الشاعر الغرناطي لوركا: الرمانة المعطّرة سماءُ بلورية. كل حبةّ نجمة وكل غشاء غروب من هناك بدأ نسيج أعمالي متواشجا ًومتقاطعا مع تلك الظلال الذائبة في جدران الذاكرة، ظل غرناطة وتكسرات النور على العمائر حلم ظل يسكنني في الحلم والمخيلة والذكريات، حلم يسري في نسيج أعمالي الفنية، انها اللذة الأبدية التي لا نهاية لها. مسيرة ابداعية ولد الفنان الأردني جهاد العامري سنة 1977، وحصل على شهادة البكالوريوس في الرسم والتصوير من جامعة بغداد سنة 2002 ومن ثم تابع دراسته ليحصل على درجة الماجستير من جامعة اليرموك في الفنون الجميلة، ثم درجة الدكتوراة من جامعة غرناطة في إسبانيا. وهو حالياً محاضر ورئيس لقسم الفنون البصرية في كلية الفنون في الجامعة الأردنية. أقام العامري تسعة معارض شخصية كما شارك في معارض جماعية عديدة في الشرق الأوسط والعالم، وتم اقتناء أعماله من قبل أكثر من معهد ثقافي في عمان وإيطاليا وسويسرا وإسبانيا، كما حصل على عدة جوائز عالمية هامة. مال الفنان جهاد العامري في أعماله الفنية إلى تقنية الحفر والطباعة، وبرع فيها، وبرز كفنان جرافيكي متمرس في تقنيات الجرافيك المتعددة من الحفر على الخشب والزنك والحجر والطباعة بالشاشة الحريرية، حتى أنه قام بابتكار أسلوبه الخاص في الرسم، حيث طبّق تقنية الطباعة على أعماله الزيتية، لتظهر لوحاته المرسومة وكأنها أعمال جرافيكية، بطبقات شفافة متعددة من الألوان، تُظهر من خلالها سطوحاً وملامس متنوعة تغني السطح التصويري، وقد عمد في أعماله الأخيرة إلى إدخال الأحرف العربية كنصوص مبهمة، طوّعها كنسيج مرن لتغدو مساحة لونية متناغمة تكمل المشهد التصويري. تقوم أغلب أعمال العامري على استحضار روحانية المكان، فالشعر والتاريخ والحضارات هي ما يلهمه، ويوقظ في داخله الرغبة بالإبداع، وهو ما يظهر جلياً في أعماله الأخيرة من تأثره بالحضارة الأندلسية وما شاهده في إسبانيا أثناء مكوثه هناك للدراسة.