جديد الأخبار
عرار العرب ولكل
العرب
عرار الإخبارية.. الزيارات(285 ): د. نادية هناوي الإنسان بالنسبة إلى الفلسفة مشكلة معقدة وحقيقته عيانية ملغزة على وفق رؤى نسبوية وارتيابية، فيها الفكر منقسم ومتغاير في فهم كنه من نسميه ( إنسان) بوصفه ذاتا وأنا وعقلا وهوية وجسد وروح وكينونة. وتعددت المناهج والمدارس والتيارات الفلسفية في دراسة الانسان وعلى الصعيدين النظري والميداني وبحسب مرجعيات حوارية او تفكيكية او حفرية او تواصلية تقدم تمثيلا معولما لقضايا ثقافية تتعلق بالانسان كمعرفة وخطاب وسلطة وذات وجسد وجنون ومراقبة. واتجهت أغلب الدراسات الثقافية الى تقويض عقلانية الحداثة الغربية بسبب ما فيها من سلطة نماذجية وهيمنة فكرية سماتها التعالي والانغلاق والدغمطة العقلية كما في دراسات ماشيري وستفسن غرينبلات وفردريك جيمس وجورج ويل وبورديو وغيرهم من الذين أمدوا الفلسفة بمبدئيات التبلور والنشوء بإزاء مفاهيم تتعلق بالانسان كذات واخر وهوية فردية وجماعية. ويظل السؤال: من أكون؟ من أهم أسئلة الدرس الفلسفي التي فيها تتداخل علوم النفس والاجتماع والدين والمنطق والسياسة والانثربولوجية الى اخرها من الحقول المعرفية الأخرى عبر إدماج هذه العلوم بعضها مع بعض ليتم إنتاجها من جديد في بوتقة معرفية ثقافية. ويعد الاختلاف والجنون مفهومين من المفاهيم الفلسفية نظرا لصلتهما الجدلية فكريا بمفاهيم الذات والجسد والجنس والسلطة والمعرفة وغيرها. وقد يوسمالاختلاف بأنه أهم إستراتيجية من استراتيجيات الجنون والحفر فيه بحثاً ومعاينةً في الدوال والمدلولات والمرجعيات سواء في حضورها أو غيابها كتاريخ وبنية ولغة. وقد عُدَّ جاك دريدا وميشيل فوكو من جيل الاختلاف بسبب محاولتهما وضع حد للميتافيزيقيا. ودريدا هو الذي وجد أن الاختلاف فلسفة عائمة لا مركز لها وهي ليست نقداً ولا تحليلاً؛ وإنما إستراتيجية الصراع بين المعنى والقوة وإرادة اللاتراتبية في اجتثاث الجذامير بالقلب وإزاحة الأصل والمركز ظهورا واختفاء، حضورا وغيابا، قراءة وكتابة، وهما وحقيقة، تطابقا وتغايرا، وبلا نهائية كمغامرة تقوّض الخطاب. والاختلاف عند ميشيل فوكو هو اللاعقل، وهو الغواية السابقة على وجود الكوجيتو بالصور والأحلام وأخطاء الحواس، وهي تشكل إمكانية السقوط في أحضان اللاعقل وتحت كلية سلطانه. إنها تشير إلى ما هو أكثر من انكسار النهاية الإنسانية. إنها الخطر الذي يمنع هذه العبقرية من الوصول إلى الحقيقة. وعلى وفق هذا التصور للاختلاف فكك دريدا مفهوم الجنون عند فوكو، مبيناً أن كل علم من العلوم وأي حقل من حقول المعرفة يخضع للتفكيك ويقبل الشك والتفنيد فـ»الفيزياء وعلم الفلك والطب وكل العلوم المتعلقة بالاشياء المركبة مشكوك فيها وغير يقينية.. وعلم الحساب والهندسة.. تتضمن جانبا يقينيا لا ريب فيه لأنه أما أن يكون مستيقظا أو نائما. واثنان زائد ثلاثة يساويان دوما العدد خمسة .. اليقين أو التعميم المعقول.. هو اليقين الذي سيخضع فيما بعد للشك الميتافيزيقي المصطنع المبالغ فيه مع حكاية الشيطان الماكر المتخيلة .. فالجنون هو مجرد حالة خاصة للوهم المحسوس الذي شغل ديكارت لكنه ليس أخطرها على أية حال» وليس الاختلاف عند دريدا وميشيل فوكو كالاختلاف عند دولوز فالاختلاف عند الأوليين جدلي متعين، وهو عند الأخير فكرة غير متعينة وبلا مفهوم ( جذمور) والتكرار كماهية هو رهين الاختلاف حيث لا مركز للعلاقات المتبادلة. وعلى الرغم من أن الفكر هو الذي يصنع الاختلاف فإنه هو الشر بعينه، وبه تتشوه الوجوه وينام العقل مولدا المسوخ. وهو أيضا اليقظة وأرق الفكر الذي هو في اللحظة التي يصبح فيها المتعين واحدا، يصنع الفكر الاختلاف. ولا يجب أن نندهش من أن يبدو الاختلاف ملعونا وتكون الغلطة أو الخطيئة في هيئة الشر المحكوم عليها بالتكفير.. الخطيئة التي تجعل القعر يصعد والشكل يتحلل. والاختلاف بحسب جاك دريدا واحد من مفاهيم التفكيك بوصفه إستراتيجية قرائية ورؤية تأويلية تنطلق من العقل لكي تفنده، متخذة من فلسفات ما بعد الحداثة مرجعا، به ترتقي من المعقول إلى اللامعقول وتمزج العقلانية باللاعقلانية وتعرج من الفيزيقي إلى الميتافيزيقي، مبتغية إذابة الجليد وكسر مرآة التفكير وفتح آفاق الحوار بين العقل الإغريقي الكلاسيكي الغابر والعقل ما بعد الحداثي الراهن. أما الاختلاف الفوكوي فمقاربة اركيولوجية ومنهجية رؤيوية هدفها نقض الميتافيزيقيا وتجاوز الزمان التاريخي والتاريخ الهيغلي واختراق الايديولوجيا وقوفاً على تخوم اللاوعي الوضعي في تجارب الذات في ماضيها وراهنها وانطولوجية أشكلتها في ظل التهميش والقمع. ومن تلك التجارب (السجن والجنس والجنون) كثيمات مهمشة، نقَّب فيها فوكو اركيولوجياً مفككاً العقل والتاريخ والميتافيزيقيا. وأهم مميزات المنهج الاركيولوجي أنه دحض الفكر الديكارتي الذي آمن بالذات الواعية مبدلا إياها بذات غائبة ليست كلية، وهذا ما دفع بفوكو إلى أن ينضوي متآزرا مع فلسفة نيتشه الرافضة للكوجيتو الديكارتي الذي افترض بشكل مسبق وجود الأنا أو الذات المفكرة كأرضية تطبيقية لممارسة الذات بوصفها منزلة بين منازل لها صلة بالخطاب والمنزلة تدلل» بشكل واسع على الأدوار المؤسسة في الخطاب مع تشديد على كون المنزلة يجب ان ينظر إليها بعلاقة منازل..وان علاقات المنازل ليست ابتداعا حرا للذوات « بينما اعتقد فوكو أن النظام والمعرفة تسبق كل وجود بشري وكل فرد بشري وهذا ما جعله يتساءل ما هو النسق الذي لا فاعل له ومن الذي يفكر لينتهي إلى تقرير انفجار الأنا وما هذا الدحض الذي يوجهه فوكو للكوجيتو الديكارتي سوى نتاج اركيولوجيا تقويضية تستدعي الذات لكي تكبح هويتها وتؤسس للاهتمام بها كي تدحضها، انطلاقا من أساس فلسفي ظاهري يفهم أن في فعل التقويض يتم» فتح أذهاننا وجعلها حرة تجاه ما هو مستعص علينا ضمن التقليد الذي يمنح باعتباره كينونة الموجود». المصدر: جريدة الدستور الاردنية
الكاتب:
اسرة النشر بتاريخ: السبت 30-01-2021 12:44 صباحا
الزوار: 285 التعليقات: 0 المشاركة السابقة : المشاركة التالية
محرك
البحث جوجل
مجلة عاشقة الصحراء
عرار للتراث الشعبي العربي والعلاج بالاعشاب" البرية"::
مجلة المبدعون العرب التي تعنى بقضايا
التربية والتعليم والثقافة::
وكالة أنباء عرار بوابة الثقافة العربية