غيض من فيض

من عراقة الجزائر وارستقراطيّتها وتاريخها الحافل بالتّضحيات وعشق الوطن تأتي إلينا على جناح الدّهشة، بأحلام الطّفلة القابعة فيها تكتب أهازيج الطّفولة وذاك هو البدء [1983 – أوّل قصّة للأطفال] في حنين متوهّج إلى طهر البدايات.

ومن العالم الطّفولي الآسر إلى القصّة وجها لنضج الحياة ورقيّ الكتابة وتطوّر منحاها.

- امرأة مبدعة تنفلت عن الحصر في مجالات الأدب إبداعا ونقدا وأدب رحلات. 

- عن الرّيادة والفعل البكر تبعث من خلال ملحق أسبوعي يعتبر الأوّل في تاريخ أدب الطّفل من 1984  1988.

- سيرة شعارها الإنسان فاعل أو لا يكون عبر مشاركات تلفزيونية وإذاعيّة وكتابات ورقيّة وإلكترونيّة عديدة (جريدة الجمهورية الورقيّة)

(صوت الأحرار)

- رحّالة تجوس في أعماق النّفس وربوع الأرض ومساحات الورق.

- كرنفال من التّكريمات التي لا تحصى ولا تعدّ كشهادة الدكتوراه الفخريّة ووسام التّقدير من المركز الثقّافي الألماني بيروت.

- مناصرة للمرأة (فالأنثى هي الأصل) ولا أدلّ على ذلك من مشاركتها بمجموعة من القصائد في كتاب أنطولوجيا (الأدب النّسوي العربي) وكتاب مشاغل جزائريّة وهو عبارة عن موسوعة في أدب المرأة الجزائريّة.

- تغمس القلم في مداد الشعر (حافّة القلب – حدائق الغفران ... رماد الرّوح. الشّعر رحيق الحياة عندها وجماع المشاعر "حالة حميميّة مع الشّعر".

- تحلّق بجناحين في سماء الإبداع باعتبار تكوينها وترجمة أعمالها إلى اللّغات الأجنبيّة (الإسبانيّة، الفرنسيّة،...)

- تواكب إيقاع العصر بنبض الإبداع مؤمنة بضرورة استحداث الأشكال تساوقا مع حركة الزّمن في القصّة الومضة والهايكو (2016 مشاركة في القصّة الومضة بالقاهرة والإسهام في التقييم داخل لجنة المسابقة اليوميّة مع الأديب المعروف مجدي شلبي)

- لا تحبّ أن تمضي بلا أثر فلها في كلّ مجال إبداع بصمة.

- سفيرة الكلمة والثّقّافة المبنيّة على السّلم والتّسامح والتّواشج بين الشّعوب.

- عظيمة بالفعل وبالقوّة وهل أبلغ من أن يحتفي بها الدكتور واسيني الأعرج حامل لواء الرّواية العربيّة في عصرنا فيقدّم مجموعتها الشّعريّة حافة القلب.

- الإنسانيّة هي في أكمل تجلّياتها بالتّضحية في سبيل الأطفال والعائلة (23 سنة من الانقطاع ثمّ العودة إلى الإبداع بقوّة أكبر وعزم لا يني (شهادة الأمّ المثاليّة)

 

تعجز الكلمات عن التّحديق وتقصر عن امرأة أراها جمعا في صيغة مفرد.

قراءة في قصيدتي: "حوّاء هي الحياة" و"اغضب"

 

أهازيج حوّاء إهداء وولاء. وبصمة الوجود الفاعل للشّاعرة، حكاية الكيان في عالم النّكران.

البدء، استفهام إنكاري، يتصاول على تخوم الحيرة والعجز عن الإحاطة بكينونة أسطوريّة مفارقة للعادي. هناك تقف الشّاعرة مشدوهة. منذ المطلع تبدأ الملحمة. فلا مجال  لخطاب خارج مدائح تعلّي من شأن المرأة /الحياة، امرأة ارتقت إلى أقصى درجات العظمة إذ يتاخم السّؤال النّفي. فما الّذي يمكن أن يقال في حضرة كائن آبق عن المحدوديّة، يختزل الأبجديّة والكون. وتمثّل القصيدة تعاليا على المعقوليّة من خلال دفق من الصّور الشّعريّة، صور خلق تمتاحها من الطّبيعة بأرضها وسمائها وكلّ عناصر بهائها، ألقا وعبقا ونماء حين تقبّل عشتار ثغر القصيد.

ونحن نرصد بنية العالم المتخيّل الّذي تبتنيه الشّاعرة باللّغة تطفو معاجم طبيعيّة تراصفت كي تغوص في الأقاصي هناك ترسّبت أصول الشّعر والعالم. وتنهض الرّمزيّة الطّبيعيّة والدّينيّة على حركتي النّماء والقداسة محاولة للإحاطة بهذه الماهيّة الجميلة النّقيّة المنفلتة عن ربقة المحدود.  وما توالد الصّور الشّعريّة النّورانيّة في أعطاف شفافيّة الأحلام وغلمة الرّؤى إلاّ انغماس في هذا الجوهر الطّاهر. هي ابنة السّماء هبطت إلى الأرض "بشعاع سنيّ وعصا نبيّ" .

والصّورة طافحة في قصيدتها بنبرة إنشاد أو لغة قدّاس يقام في حضرة "أنت" هذه المخاطبة ترتسم معالمها الكبرى بين الصّورة والصّورة فتبدو عالما مدهشا يعجّ بتجلّيات الإشراق الرّوحي.

ويقوم الخطاب استدلال يتلوّن بنزعة عقليّة تبكّت من يرى فيها كائنا من درجة ثانية. أمّا المحجوج فمجتمع بأسره اختصرته الشّاعرة في النّداء صرخة احتجاج "يا سائلي"، حين يصطنع الحيرة أو تصطنعها الشّاعرة ترد حشود الإجابات موسومة بطابع عقلاني في الظّاهر ودفق عاطفي هو الميسم الغالب "هنّ الرّبيع والزّرع ..

         ومواسم زرعت فيهنّ البسمة والحياء"

إنّها الفاعليّة المتجاوزة للواقع والنّابعة من معين الخيال، تفتح مسارب داخل الطّبيعة التي توحي برومنسيّة الشّاعرة المتشبّعة جدّا بمبادئ الرّومنطيقيّين عبر جمل ترشح بالغبطة والفعل. فتقف المرأة بتصاولها داخل الصّور الشّعريّة رافضة التّلاشي والتّهميش. فلا يغيّبها وحش الإمّحاء والذّوبان في هزّة الاجتماعيّ الرّافض لوجودها الأصيل.

وحتّى لا تكون المرأة المُخاطبَة عونا على نفسها ترشدها عبر النّهي لكنّها لا تتّخذ خطابا راديكاليّا مقصيا للرّجل. على خطى جومانا حدّاد تتجاوز النّسويّة القديمة وتنظر إلى الإنسان.

بنفس توقيت الحبّ تتنادى صرخة شبيهة جدّا بثورة نازك الملائكة أو نزار قباني إذ تقول الشّاعرة العراقيّة: "اغضب تكاد تموت روحك لا تكن *** في ثورة مشبوبة وتمزّق".   ميثاق غضب عبر أمر لا يخلو من استعلاء، تتداعى عنه أوامر. إنّها رحلة بحث عن الكائن الحرّ، رجلا كان أو امرأة ودعوة إلى القطع مع نواميس الاستكانة "خلف جدران الانتظار". فلا تقبل بوجود مؤجّل أشبه بالموت. هذا السّاكن فيها لا بدّ أن يحاكي إيقاع نفسها الثّائرة وإلاّ ما كان جديرا بالحبّ والشّعر والحياة أصلا. ترانيم بسيطة في عمق آسر تنأى عن التّعبير العادي بجملة من الاستعارات "ستائر العمر" والتّجسيد واقع، فوظيفة الصّورة الشّعريّة الإبانة دون إغراب أو غموض. فقد أدرك ذكاء الشّاعرة أنّ المتلقّي يكره التّعقيد ويبحث عن مكامن الجمال حتّى يسدّ خواء الرّوح. وميسم اللّغة عندها مع ذلك الانزياحات على عقال البعد الواحد. فتدحر الرّتابة والغياب. ولعلّ المرأة والرّجل قصيدة جميلة لا تكتب أبدا خارج الفعل الإنساني الخلاّق.

اغضب قصيدة ثورة تفهم على أكثر من وجه وتتجذّر بصورة أعمق في بعدها الفلسفي الوجودي.

 

 

إطلالة على الغزل

"قصيدة يا سيّدي نموذجا"

 

غزلها رقيق متلوّن بتباريح العشق والصّبابة، يغلب عليه نفس رومنسيّ حالم. فهي تنحصر داخل القلب مدار القصائد الرّومنطيقيّة. ولا تغيب الطّبيعة عن التّشابيه أو الاستعارات:

 "الحبّ نوارس بحريّة"

"أحبّك يا رجلا فيه يزهر العمر"

"فيه تغتسل الرّوح"

"وينبت على كفّه فرحي"

وكأنّ القصائد في هذه المرحلة (2014-2015) لا تبتعد عن الرّجل ولا ترى عيبا في المكاشفة بدفق انفعالات تجعل من الشّعر لغة شعوريّة بالأساس. مؤمنة هي بفلسفة الشّابي حين يقول

"عش بالشّعور وللشّعور *** فإنّما دنياك كون عواطف وشعور"

هذه لغة الشّابي وفلسفته في تصوّر رومنطيقي تلوّنت به هذه القصيدة وسائر القصائد المتّسمة بهذا التّوجّه. وهل يملك الشّاعر لغة لا تحفر في ذاكرة الكلمات؟ 

مرهفة لغة شاعرتنا منبنية على بلاغة تصل إلى القلوب بما يتوقّع وبما لا يُنتظر "يرتاب في شعري الشّعر".

مربكة سليمة الملّيزي حين تحاور الغربة ولا تكتفي بغربة العاشقة وإنّما ترتاد غربة الإنسان.

فإن تساءلنا عن وجه الإنسان وقضاياه الحارقة رأيناها في قصائد الغزل. لأنّها تجسّد نموذج إنسانة تهرب من عمر وتبحث عن أعمار وتروم جميل البقاء بوصمة ينطبع بها الكيان معتقدة أنّ كلّ ما بذلته لا يكفي "في حوار معي صرّحت "ورغم ذلك نشعر أنّنا لم نقدّم شيئا""

تواضع كفيل بالرّقيّ وميسم لكلّ عالم جليل أو أديب أريب.

هذه الكلمات قاصرة عاجزة عن التحديق إزاء حقيقة لامرأة تبدو أكبر من التّصديق.