شهد يوم الخميس 3 كانون الثاني 2019 حدثا يعتبر الأول من نوعه في تاريخ الولايات المتحدة، حيث أدت كل من عضو الكونغرس عن ولاية ميشيغان الديمقراطية رشيدة طليب بثوبها الفلسطيني المميز اليمين الدستورية للكونغرس الأميركي، فيما أدت زميلتها، عضو الكونغرس الأميركي عن ولاية مينيسوتا، الديمقراطية إلهان عمر قسمها على القرآن أيضا وهي ترتدي الحجاب، لتكونا أول عضوتين مسلمتين في الكونغرس الأميركي.
وتواجدت في القاعة التي أدى النواب قسمهم فيها مجموعة من الفلسطينيات اللواتي ارتدين الثوب الفلسطيني المميز تضامنا مع النائبة رشيدة طليب.
واتسمت الانتخابات الأميركية النصفية السابقة يوم 6 تشرين الثاني 2018 (التي أوصلتهما إلى الكونغرس) بفوز عدد من التقدميين الديمقراطيين، خاصة من النساء، في انتخابات كاسحة، أولا في الانتخابات الأولية داخل الحزب الديمقراطي نفسه والتمكن بنيل الترشح من الحزب ضد التيارات التقليدية، ومن ثم في هزيمة المنافس أو المنافسة الجمهورية، بما يعطي الكونغرس الجديد طابعا جديدا حيث بات يشمل مزيدا من النساء والأقليات، ويعطي الديمقراطيين الأغلبية الواضحة في مجلس النواب الأميركي (235 ديمقراطي مقابل 199 جمهوري، وعضو واحد مستقل يصوت مع الديمقراطيين).
وبذلك يستعيد الحزب الديمقراطي السيطرة على مجلس النواب بعد الخسارة الفادحة التي مني بها في انتخابات عام 2010 النصفية والتي أدت إلى عرقلت معظم برامج الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في سنواته الست الأخيرة، وعطلت الحياة السياسية في العاصمة الأميركية في كثير من الأحيان.
كما انه، وللمرة الأولى تشهد واشنطن عودة رئيسة سابقة للبرلمان لموقعها بعد غياب ثمانية أعوام، حيث عادت النائبة نانسي بيلوسي (الديمقراطية من ولاية كاليفورنيا) لاستلام هذا الموقع المرموق والذي يأتي في المرتبة الثالة بعد الرئيس ونائب الرئيس في تسلسل القوة في واشنطن، بما ينذر بتفاقم الخلاف السياسي بين الحزبين، وبالتحديد بين بيلوسي والرئيس دونالد ترامب، خاصة وأن الدورة الجديدة (التي ستستمر حتى كانون الثاني 2021) تبدأ اليوم الخميس والحكومة مغلقة جزئيا بسبب إصرار ترامب على توفير الكونغرس مبلغ 5.6 مليار دولار لبناء جدار على طول الحدود الأميركية مع المكسيك وهو ما يرفضه الديمقراطيون.
وستتمتع بيلوسي البالغة من العمر 78 عاما بنفوذ هائل كزعيمة للأغلبية في الكونغرس الذي بدأت حياتها السياسية فيه قبل 32 عاما حين فازت بمقعدها عن ولاية كاليفورنيا في انتخابات عام 1986 النصفية، وتدرجت في المواقع القيادية في الحزب الديمقراطي وصولا الى موقع "رئيسة البرلمان" عام 2007. واليوم تستلم هذا الموقع للمرة الثانية محطمة بذلك كل التوقعات بأنها لن تتمكن من استعادة هذا الموقع نظرا لتقاعدها من أو معارضة الحزب الديمقراطي لقيادتها مرة أخرى، وهو ما ثبُت عكسه، حيث لم تظهر بيلوسي أي نية للتقاعد ، كما تمكنت من الحصول على تأييد كاسح داخل الحزب لاستعادة موقعها السابق رغم أن التيار التقدمي في الحزب عبر عن رغبته في التغيير، ولكن هذا القطاع أضطر أن ينصاع ويؤيد بوليسي، أولا لأنه لم يبرز أي قيادي بديل لها، وثانيا بسبب قدرة الآلة الحزبية الديمقراطية في التاثير على الأعضاء، خاصة الجدد، لتبني السياسة الحزبية.
يجدر بالذكر أن بيلوسي التي طالما شوّه الجمهوريون صورتها بوصفها ليبرالية من سان فرانسيسكو، ستعود أيضاً لتولي رئاسة مجلس النواب، ولكن تحت قيود جديدة فرضتها على نفسها. ففي سبيل درء انتفاضة الديمقراطيين الذين كانوا يريدون جيلاً جديداً من القادة، وافقت بيلوسي على تحديد مدة ولايتها بأربع سنوات. ويقول البعض إن ذلك قد يضعفها -وهي فكرة ترفضها.
من جانبهم، لا يستهين الجمهوريون بقوة بيلوسي، فقد وصفها النائب مارك ميدوز، من نورث كارولينا، بأنها "خصم ماهر يتقن كبح جماح جميع الديمقراطيين".
وتدرك بيلوسي أن ما سيُعّرف ولايتها الجديدة لرئاسة المجلس هو طريقة تعاملها مع الرئيس ترامب، ففي المرة الأخيرة التي شغلت فيها هذا المنصب، من عام 2007 إلى 2011، حققت إنجازات تشريعية أكسبتها سمعة طيبة. فقد شهدت تلك الفترة تمرير تشريعات أنقذت "وول ستريت"، وساعدت في وقف الانهيار الاقتصادي، وسمحت للمثليين بالخدمة في الجيش، وأعادت هيكلة القوانين المصرفية في البلاد، ووسعت نطاق وصول ما يقدر بنحو 17 مليون شخص إلى الرعاية الصحية.
ويقول كثيرون، إن تمرير قانون الرعاية الصحية بأسعار معقولة هو إنجازها المميز. ولكن الحكومة المنقسمة والرئيس الذي لا يحظى بشعبية كبيرة، والتحقيقات الجنائية المحتملة وواسعة النطاق التي تلاحقه هو وحملته الرئاسية وأعماله التجارية، ستغير دورها بشكل جذري.