وأوضحوا أن ما شهده الأردن من تغيرات مناخية باتت تؤثر على مناحي الحياة بشكل عام، وتتطلب من الجميع جهدا جماعيا على مستوى الدولة، وذلك بوضع خطط وطنية على مستوى الوزارات في مجال أعمالها لتوسيع نطاق استثماراتها في تعزيز قدراتها البشرية والتكنولوجية على التكيف مع تغير المناخ والتفاعل مع المفاهيم الأخرى مثل الاقتصاد الأخضر، والتعليم الأخضر، والمدارس الخضراء، والتي من شأنها تحقيق التنمية المستدامة في مجالاتها المختلفة.
وكان رئيس المجلس الأعلى للمركز الوطني لتطوير المناهج د. محي الدين توق، قال في تصريحات صحفية سابقة لـ"الغد" إن المركز عمل أخيرا على التوسع في إدماج مفاهيم تغير المناخ في المناهج، لأن التعليم هو أحد العوامل الحاسمة التي تعد الأجيال المقبلة لمعالجة قضية تغير المناخ، ومواجهة التحديات والعواقب والتبعات الصحية والاقتصادية والبيئية الناتجة عنه، وهو الأمر الذي تدركه وزارة التربية والتعليم والمركز وتم إيلاؤه اهتماما خاصا وعملا مشتركا.
واكد توق أن الطلبة والأهالي والكوادر التعليمية والتربوية سيلحظون ظهور مفاهيم تتعلق بالتغير المناخي في كتب العلوم اعتبارا من العام الدراسي المقبل 2024/ 2025 وبشكل متزايد سنويا.
إلى ذلك، قال الخبير التربوي، مدير المركز الوطني لتطوير المناهج سابقا الدكتور محمود المساد إن هناك الكثير من القضايا الحياتية التي نعيشها حاليا، ونتوقع أن نعيشها في المستقبل، تؤثر على مستوى نجاحنا في هذه الحياة، وعلى درجة تفاعلنا الإيجابي مع هذه القضايا، مبينا أن مفهوم التربية والتعليم يعني بشكل رئيس إعداد الفرد لحياة مستقبلية ناجحة وفعالة، وعندها يصبح اكتساب الفرد للمعارف والمهارات التي تمكنه من هذا النجاح هي غاية التربية والتعليم الأساسية.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف، أوضح المساد أن المركز الوطني لتطوير المناهج نهج مسارا ناجحا، باعتبار أن مهارات الحياة كلها مفاهيم واجبة الإدماج في محتوى التعلم القائم، دون أن نزيد على المحتوى أي إضافات من شأنها توسيع هذا المحتوى الذي سيكون مرهقا للمتعلمين وللنظام التعليمي، وهو ما استوجب من المركز أن يباشر في العمل على إدماج المفاهيم المرتبطة بالتغير المناخي كظاهرة محلية وعالمية.
وأكد أن هذه الخطوة التي أعلن المركز عن مباشرته بها هي غاية في الأهمية، على ألا تقتصر عمليات الإدماج على مبحث العلوم، بل إن جميع المباحث الأخرى حاملة لهذه المفاهيم وقابلة لعمليات الإدماج بدرجات متفاوتة، وسيعمق التوسع في عمليات الإدماج من اكتساب المتعلمين لهذه المهارات، ويرفع من تشكيل الوعي العام للمتعلمين والمجتمع عموما، ويوجه سلوكاتهم ذات العلاقة بمواجهة التغير المناخي.
وأشار إلى أن مجالات المفاهيم العشرة ومصفوفات تفرعاتها المحدد إدماجها في محتوى المناهج، مقرة في الإطار العام للمناهج الأردنية، ويلتزم المؤلفون بإدماجها في محتوى الكتب المدرسية ومصادر التعلم المتعددة، بعد تدريبهم المكثف على عمليات الإدماج بأشكالها المتنوعة، وتدريب المعلمين فيما بعد على كيفيات توصيلها للطلبة في الميدان.
وأضاف أن مجال البيئة وتوازناتها والتغير المناخي وأشكاله في كل دولة من دول العالم هو على سلم الأولويات، باعتباره ظاهرة عالمية تحتاج لتكامل الجهود وتكاتفها من أجل نجاح عمليات المواجهة وتخفيف الآثار على البيئة والإنسان.
واعتبر أن هذه الخطوة تصب في هذا الاتجاه من عمليات الإدماج التي تفضي إلى تعميق المحتوى الدراسي وترشيقه، وثمة مجالات جديدة تتطلب قرارا من مجلس التربية والتعليم. وهنا نأمل أن تتم هذه العملية وفق الأصول العلمية والأشكال الأنسب للإدماج، ومن دون التوسع بالمحتوى أو الحذف منه لهذه الغاية.
بدوره،، قال مدير إدارة التخطيط والبحث التربوي في وزارة التربية والتعليم سابقا الدكتور محمد أبو غزلة، أن تغير الظواهر المناخية في السنوات الأخيرة فرضت على الدول والمؤسسات والأفراد ضروة استمرار التنبؤ بها والتخطيط للتعامل معها بغض النظر عن مصادر هذه الظواهر المناخية إن كانت بشرية بفعل التزايد والتطور الكبيرين في استخدام الطاقة، أو نتيجة التغيير في الخصائص المناخية والتكوينية للكرة الأرضية.
وأشار أبو غزلة إلى أن إعلان المركز الوطني لتطوير المناهج عن التوسع بإدماج مفاهيم تغير المناخ في المناهج ما هو إلا تأكيد على أهمية وخطورة هذه التغيرات في الظواهر المناخية، ما يستدعي الاستمرار والتوسع بها في بعض المواد الأخرى، نظرا لما نشهده من تغييرات حقيقية باتت تؤثر على مناحي الحياة وتستدعي التوعية بها، ليس فقط لطلبة المدارس بل على مستوى الجامعات، مع أهمية أن يكون هذا التوسع من منظور شمولي لما يجب أن تتضمنه المناهج عموما.
وأكد ضرورة أن تكون هناك نظرة استشرافية شاملة لجميع أهداف التنمية المستدامة، لما تتضمنه من مفاهيم تطلب إدخالها في مناهج التعليم، إضافة إلى التطورات التقنية والمفاهيم الحديثة، مما يستدعي اعتماد إطار عام، ليس لمفاهيم التعليم المناخي لطلبة المدارس والجامعات فقط بل لجميع المفاهيم والظواهر والتطورات المستقبلية والتقنية والحياتية التي أصبحت تؤثر في حياة الأفراد والمجتمعات.
ولفت إلى أن النظام التعليمي هو أكثر الأنظمة التي يمكن أن تستجيب لذلك، وستمكن الطلبة من المعارف والمهارات والقيم التي تعزز الاستدامة البيئية، والعمل من أجل الاستدامة وتوظيفها في حياتهم بشكل فعال، وتعريفهم بالتنوع البيولوجي وأنظمة البيئة المختلفة، وكيفية الحفاظ على الغابات والموارد المائية ناهيك عن تمكينهم وبناء قدراتهم في فهم أثر هذه التغيرات المناخية على حياتهم، وبالتالي تمكنهم من أساليب توظيف كل أشكال التكنولوجيا في التعامل والتكيف معها.
وبين أن التوعية بقضايا التغير المناخي وزيادة المعارف حولها، وتغيير السلوكيات التي تحافظ على البيئة والمناخ، لا تقتصر على تنفيذ مجموعة من البرامج التدريبية، بل لا بد من التوسع في تضمينها داخل مناهج التعليم بشكل عام في مجالي التعليم والتنمية المستدامة؛ لضمان إكساب الطلاب اتجاهات إيجابية نحو قضايا البيئة وحمايتها، ونحو القضايا المتعلقة بالمناخ والتغيرات المناخية، والتنوع البيولوجي، والاستدامة، والتوازن البيئي، وإدارة الكوارث الطبيعية، وترشيد الاستهلاك، وبما يتناسب مع كل مراحلهم الدراسية وفق قدراتهم ومهاراتهم، وأعمارهم، مع ضرورة تطبيقها على أرض الواقع.
وأضاف أن على المدارس أيضا أن تعمل على نشر التوعية بقضايا البيئة والمناخ بين الطلبة والأسر، والمجتمع المحيط، وأن تشركهم في جميع النشاطات المدرسية باعتبارهم شركاء أساسيين في العملية التعليمية لضمان دعمهم، إضافة إلى وضع آليات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وشدد على أن ما يشهده الأردن من تغيرات مناخية باتت تؤثر على مناحي الحياة بشكل عام، وتتطلب من الجميع بذل جهد جماعي عبر وضع خطط وطنية على مستوى الوزارات في مجال أعمالها، لتوسيع نطاق استثماراتها في تعزيز قدراتها البشرية والتكنولوجية على التكيف مع تغير المناخ والتفاعل مع المفاهيم الأخرى مثل الاقتصاد الأخضر والتعليم الأخضر والمدارس الخضراء، والتي من شأنها تحقيق التنمية المستدامة في مجالاتها المختلفة.
وقال إن ذلك يتطلب مواءمة خطط الوزارة والمركز والجامعات في النظام التعليمي، وتوفير وتطوير الأدوات اللازمة لذلك، بالتنسيق مع جميع المؤسسات المعنية بالاستدامة البيئية، وبذلك سيكون لتضمين المفاهيم المناخية في الأطر العامة للمناهج التعليمية والتوسع في إدماج المفاهيم بكافة أشكالها وتنوعها في الكتب المدرسية ولجميع الصفوف دور أساسي لمنح الطلبة فهما شموليا بشأن مخاطر التغيرات المناخية السائدة.
أما الخبير التربوي عايش النوايسة فقال إن الأردن سعى مبكرا للتعامل بطريقة إيجابية مع موضوع التغير المناخي وانعكاسه على كافة مناحي الحياة، لذا تبنى إطارا وطنيا عرف باسم السياسة الوطنية للتغير المناخي في المملكة 2022-2050، إذ سعت هذه السياسة إلى التكيف مع التغيرات المناخية وراعت كافة الآثار المحتملة على قطاعات التنمية والشرائح المجتمعية المختلفة، من خلال حزمة من سياسات التكيف المتكاملة لكافة القطاعات التنموية، ومنها قطاع التربية والتعليم.
وتابع النوايسة أن هذه السياسة تضمنت توسيع إدماج مفاهيم التغير المناخي والتخفيف من آثاره في مناهج المدارس بشكل عام ومنهاج العلوم بشكل خاص، مؤكدا أهمية التركيز على طرائق تدريس من شأنها أن تعزز الوعي بالتغيير البيئي، وتجعل الطلبة متفاعلين منخرطين بطريقة إيجابية، من خلال طرق تركز على التعلم النشط الفاعل الذي يعزز من توجهات الطلبة الإيجابية نحو التغيير المناخي، إذ من المهم جدا غرس الوعي لدى الطلبة بأن التغير المناخي يؤثر في كافة مناحي الحياة.
وأوضح أن الوعي بمفاهيم التغير المناخي على المستوى التربوي يحتاج إلى تعامل بشكل شمولي معه، من خلال منظومة متكاملة تشمل سائر العناصر ولا تقتصر على المنهاج والكتاب المدرسي فقط، والأهم هو بناء ثقاقة تربوية متكاملة تشترك فيها كل الاطراف المعنية بعملية التعليم والتعليم في جانب التغير المناخي، ومن ضمنها الأسرة ومؤسسات المجتمع المدني.