جديد الأخبار
عرار العرب ولكل
العرب
عرار الإخبارية.. الزيارات(534 ): المقال بقلم الكاتب والمدرب الجزائري في تطوير مهارات الأفراد والمؤسسات . د .نذير بن دانية أكثرُ من 90 يوماً ونحنُ مع هذا الدّرس التاريخي الذي تُقدمه غزّة الأبية للبَشرية جمعاء.. بل هي جُملةٌ من الدّروس يتعلّم منها الجميع دُولاً ومُنظّماتٍ وجامعاتٍ واتحاداتٍ عالميّة ومُلوكاً ورؤساء ومَشاهير وكلّ النّاس من شَرق الأرض إلى غَربِها.. هذه الدّروس التي أحدثت هزّة قويةً على جميع الأصعدة تتجاوزُ بشدّتها درجات سُلم ريشتر بمَراحِل.. لتُحدِث بذلك رجّة في العقل الجَمعي العالمي.. فكلّ المُدركات والقَناعات والمُسلّمات والبَدِيهيات السّابقة في عَالم الانسان أُثبتت اليوم خَطأها وأنّها غير محسُومة البتة.. ولابدّ من مُراجعات عديدة لها وتعديلها كي لا يتجَاوزها الزّمن.. للأعلى بالطّائرات وغيرها.. فكان لزاماً على المُقاومة أن تُنقّب وتصنعَ الأنفاق لتأخُذ قُوتها من تحت أرض المَعركة نُزولاً للأسفَل... وقد أثبتت إلى اليوم أنّ الأنفاقَ سِلاحٌ ذكي لا يُمكن الاستهانةُ به. وأكيد من بين أهم ما أصبح منقوشاً في ذاكرة العالم اليوم ووقعُ صداه يتردّد في الآذان إلى الأن مُفرداتٌ و عباراتٌ تم اختيارها بِعنَاية فائقة قد ذكرها أبُو عُبيدة في خِطَاباته وقد ركّز على أسلوبين وهما : على مُستوى لغة الجسد نُلاحظ بأنّ أبا عُبيدة استغنى عن غالب ما يُطالبُ به المُلقي في لغة الجسد لكنّهُ ركزّ كلّ جُهده على نقاط محدّدة ولم تُنقص من جَماليةِ الأداء الفنّي لديه.. ومن بَينها إخفاءُ مَلامحِ الوجه إلاّ العينين.. فالوجهُ المُلثم لأبي عُبيدة أضفى عُنصر الغُموض على المُتحدث وهذا شكلٌ مخالفٌ ولافتٌ عما تعوّدناه عند كلّ الخطباء مكشوفي الوجُوه.. ولأنه مخالفٌ في اختياره شدّ إليه أنظار الشّرق والغَرب ليُحاولوا تفكيك الغُموض برسم صُورة مُقاربة له في خيالاتهم انطلاقاً ممّا يسمعونه منه.. وكأنّه يقول للمُشاهدِ ركّز على ما أقولُه من معاني فليس لكَ حاجةٌ في مَلامِحي إلاّ في عيُوني لأنَّ العين موطنُ التّحدي.. فحينما يتبارى مُلاكمان نُلاحظ بأنّهما قبل النّزال يَقفان متقابلين كلٌ منهُما ينظرُ في عُيون الآخر ليُنزل به رُعبه وتَخويفه.. فالعيون موطنُ المُبارزة والنّدية... بالإضافة إلى هذا عدم استعماله لورق يقرأ منه بل يسترسلُ في خطابه دُون أن ينظر إلى ورقة أو يحمل معه مذكرة.. وهذا ما يجعلهُ ناطقاً يملأ مكانهُ لا بوقاً يُردّدُ ما كُتب له. والأطفال في سُجونه اللّعينة.. بل يُكدس العشَرات من الفلسطينيين في مِرحَاض به زِنزَانة لا في زِنزَانة فيها مِرحَاض؟!!
الكاتب:
اسرة النشر بتاريخ: الأحد 07-01-2024 06:55 مساء
الزوار: 534 التعليقات: 0 المشاركة السابقة : المشاركة التالية
محرك
البحث جوجل
مجلة عاشقة الصحراء
عرار للتراث الشعبي العربي والعلاج بالاعشاب" البرية"::
مجلة المبدعون العرب التي تعنى بقضايا
التربية والتعليم والثقافة::
وكالة أنباء عرار بوابة الثقافة العربية
فمنذُ طلوع شَمسِ السّابع من أكتوبر بدأ تاريخُ العالم الحَديث فلا يجوزُ أن نستعمل الشّبر والفِتر وقد اخترعنا المِسطَرة والقدَم القنوية.. كما لا يجوزُ أن نستعمل نفس القرَارات والخِطابات والسّياسات وكذا التّوجهات القديمة بعد اجتياحِ طُوفان الأقصى للعَالم بِرُمّته.
عن اتجاه البَوصلَة أحدّثكم..
نعم هذه هي الحقيقةُ التي جاءت كمِعول هدمٍ للكثير من الأفكار التي تحوّلت إلى أصنام في عُقول البشرية جمعاء ومن بينها:
ـ فكرةُ أنّ جيش بني صُهيون هو الجيشُ الذي لا يُقهر..
ـ فكرةُ أنّ الولايات المُتحدة راعيةٌ للسّلام العالمي..
ـ فكرةُ أنّ الاسلام دينٌ ظالم والمسلُمون ظالمون..
ـ فكرةُ أنّ القرآن يدعو للعُنف ولا يستحقُّ القراءة.
ـ فكرةُ أنّ المقاومة أخطأت في تَوقيت إطلاق طُوفان الاقصى.
ـ فكرةُ أنّ اليمن لا يمكنُها فعلُ شيء على الارض.
ـ فكرةُ أنّ اللغة العربية لغةٌ قديمة لا تُحاكي هذا العصر.
كلّ هذه الأفكار اجترّها العالمُ لسنوات عَدِيدة وغيرها من الأفكار الأخرى المُشابهة.. كلّها تأكدَ بأنّها ما عادت صالحةً اليوم.. فلا يَخفى علينا جميعاً بأنّ المَعارك التي تخوضُها اليوم فصائلُ المُقاومة بجميع أطيافها في غزّة ـ نيابةً عن أمّةِ المِليار ـ هي مَعاركُ مُتعددة :
أولاً: معركةٌ عسكريّة: يقودُها يحي السّنوار ومُحمد الضّيف ومن معهُم من المُجاهدين الأشَاوس على الأرض.. وهذه المَعركة الأكثرُ تجليا لدى الجميع.. تعتمدُ على الخُطط والتكتيكات الحربية.. وأسلحتها الرّشّاشات والعُبوات النّاسفة والصّواريخ وغيرها.. والقيمةُ الفارقةُ هو سِلاحُ الأنفاق التي انهزَمت بسَببهِ الولايات المُتحدة في فيتنام.. وها هُو ذاتُ السّلاح الاستراتيجي المُتطور بأكثر تقنية يُلقّن المُحتل شناعة قراراته.
والمُتابعُ للوقائع على الأرض يُدركُ بأنه سلاحٌ استراتيجي بحق.. فالعالم أجمع يعلمُ بأن المُقاومة لا تملك طائراتٍ حربية.. فسَماءُ المعركة إذاً من نَصيبِ العدو لذلك لابُدّ للمقاومة أن تمتلك سلاحاً مُوازياً وتكتسبَ مِساحة مُنافسِة.. فكانت الأنفاق!!
في الآية 97 من سُورة الكهف قال تعالى عن قوم يأجُوج ومأجُوج ( فما اسّطاعوا أن يظهرُوه وما استطاعوا لهُ نقبا ) أي أنّ القوم لا يملكوُن استطاعةً ولا قُدرة للصُّعود عليه ولا على نَقبِه لإحكامه وقوته... وبمفهُوم المُخالفة لو صعدوا عليه أو نقَّبوا من تحتهِ فهُم يملكُون استطاعةً وقُوة.. فهي إشارة لطيفةٌ بأن القُوة تكون لمن يملكُ آلياتِ الصُّعود للأعلى كما يُمكن أن تكون لمن يملكُ آليات النّقب في الأسفل.. ومع فارق التّشبيه نُلاحظ اليوم أن العدُو الصُّهيوني أخذ قُوته فوق أرض المَعركة صُعوداً
ثانياً: معركةٌ سياسيّة: يقودُها خالد مشعل واسماعيل هنية وخليل الحيّة ومن معهُم من السّاسة الأفذاذ.. وهذه المعركةُ تُدار على الطّاولات المُستديرة وتحتاجُ إلى مهاراتٍ عَالية في التّفاوض والاقناع وطَرحِ البَدائِل وفي إدارة الأزَمات وربطِ العلاقات والتّفاعل مع القَرارات والسّياسيات العَالمية.. وقد ظهر هذا في مفاوضات الهدنة وتبادل الأسرى مع الشّروط التابعة لها.. هذا من جانب غزة أمّا من جانب الاحتلال فآثار التّصدع في جُدران حكومة نتنياهو صارت جلية لا تُخطئها عين.. وأكيد أن السّاسة اليوم خاصة العرب يتعلّمون من هذه الُمقاومة التي أظهرت مُرونة عالية وتماسُكا قوياً وتحكّماً جيداً في إدارة مفاصل الطّوفان سِياسياً وإقليميا.. وهذا في حدّ ذاته جُزءٌ من الانتصار.
ثالثا: معركة إعلامية: يقودها فريقُ الإعلام العسكري للقّسام وسَرايا القُدس الذين أظهروا أداءً عاليا وتميزاً مُنقطع النّظير في إخراج العَمل الميداني دُون خُدوش من لحظةِ الصّفر إلى اليوم.. وقد أبدعوا لنا المُثلث الأحمر المقلوب فصار رمزاً يعتزّ به كلّ حُرٍ مؤيد لأهل الحق.. بالإضافة إلى القيادي أسامة حمدان ومن معه وكذا قنوات عدة في مُقدمتها قناة الجزيرة ـ والتي تتفق أو تختلفُ معها ـ فهي مُتميزةٌ حقاً بما تقدّمه من جُهد ومن دماء طواقمها الصّحفية من أجل إنارة العَتمة وتصحيح الوعي بما تنتقيه من مُحللين مهرة وإن كان أشهرُهم في هذا الطوفان الخَبير الاستراتيجي فايز الدويري.. وفي هذه المعركة تحشدُ الجزيرة كلّ ما تستطيع من تقنيات التّصوير والتأثير الاعلامي والدراماتيكي انتصاراً للقضيّة العادلة.. وأنا مُتابع عن كثب لكلّ ما تبثه هذه القناة على شَاشتها وعلى صفحاتها الرّسمية.. فحربُ الصُّور وحربُ صياغة العناوين أبدعت فيها حتّى استطاعت أن تجعل من قصص مُعينة بؤراً تلتفُ حولها الجماهير مثل قصة العم خالد المشهور بـ* روح الرّوح * وقصص أخرى تخدم الالتفاف على أهلنا في القطاع.. كما تحترفُ اختيار عناوين تهكمية تحطُّ من قيمة ومعنويات جيش الاحتلال ومن حكومته.. أين تجعلُها مثار سُخرية العالم برُمته مثل:
ـ الضيف يمشي وحذاء السّنوار قيد الاعتقال.
ـ تحرير جُثتين لأسرى إسرائيليين.
ـ جُندي إسرائيلي يسرق حاسوب زميل له قُتل بطوفان الأقصى.
ـ نقاش حاد بين وزير الدفاع غالانت ونتنياهو بسبب ما نشر عن منع نتنياهو رئيسي الموساد والشاباك الاجتماع مع غالانت بدونه.
كُل هذه العنوانين وغيرها تعملُ على تحطيم معنويات بني صُهيون وتصُبّ في ميزان التّعاطف مع أهلنا في غزة والانتصار لحقهم ولقضيتنا جميعاً..
رابعاً: معركة نفسية: يقودُها أبو عبيدة وأبو حمزة بالدّرجة الأولى.. وهُنا لابدّ أن نلفت الانتباه إلى أنّ هذه المعركة لا تقلُّ شَراسةً عن المعارك الأخرى.. بل قد تكون هي الأساس في تحريك مَجاذِيف سفينة الٍرأي العام العالمي إذا سكنت.. وهذه المعركةُ تحتاجُ إلى مهارات عالية في فنّ استمالة الجماهير وأقصد هنا فن الخطابة والاقناع بالدّرجة الأولى.. وهو عمودُ القادة المؤثرين حقا في الميدان والرّكن الأساسي في رفع وترميم معنويات أصحاب الحق وحطّ وتحطيم مَعنويات أصحاب البَاطل.. فأن تكون ناطقاً باسم جماعة ما ليس بالأمر الهيّن.. لذلك أردتُ أن أفصّل فيها لنعرف كيف استطاع المُلثم أن يستحوذ على ألبابِ الملايين.. ويجعل من ميزان المعركة النّفسية في صالح المقاومة.. ومن أهم الميزات التي جعلت الملثم ينتصرُ في هذه المعركة نجد :
ـ اختيار الألفاظ الأكثر وقعاً على النفس:
أولا: أسلوبُ التّحقير: وهدفُه الاستخفاف والحط من قدر المَعني بالرّسالة التي تحملها تلكُم العِبارات.. ومنها قوله يا حُثالة الأمم وقوله نواطح غزة تنتظركُم تحملُ الموت الزُّؤام*و في قوله لا سَمح الله* وقوله * تتوعدنا بما ننتظر يا ابن اليهودية *
ثانيا: أسلوبُ التّعظيم: وهدفُه الاعتزاز والاكبَار في حقّ المعني بالرّسالة التي تتضمّنها تلكُم العبارات.. ومنها قوله إلى شَعبنا وإلى أحرار العالم * وقولة * يا حملة اللّواء وفُرسان الجِهاد *وقوله...* فكل هذه العبارات في الاسلوبين ومع قصرها إلاّ أنّها تُصيبُ الرّمية في المقتل وتحدثُ أثرها على عقل وقلب السّامع.
ـ الموافقة بين الابتداء والانتهاء:
ومن جميل ما قد يُلاحظ في خطابات المُلثم أنه يجعلُها دوما مطويةً بين جُملتين يقولُ في جُملة المقدمة ( والصّلاة والسّلام على نبينا المُجاهد الشهيد ) ويقول في جملة الخِتَام ( إنّه لجهاد نصرٌ أو استشهاد ).. خطابٌ مبني بذكاء بين عمودين تستطيع أن لا تستمع إلى ما بينهما.. وكأنه يغلّفُ ما يحملهُ في جعبته دوما بغلاف فيه لونين بارزين ففي الابتداء بعد أن يذكر أنه مُسلمٌ مُحمدّي المَنهج يذكر مادة ( المجاهد ــ الشّهيد ) ويختم بنفس المادة ( جهاد ــ استشهاد ) وكأنه يقول بأن السّهم الذي نُطلقه من قوس المقاومة متجانسٌ من رأسه إلى ذيله ولن يحيد حتّى يُصيب الرّمية في المَقتل.
ـ اختيار النّبرة المناسبة والملامسة لشغاف القلب:
فلو أنصتّ جيداً لخطابات أبو عبيدة وركّزت على نبرة الصّوت ستُحس بأن النّبرة تنسجمُ انسجاما بالغاً مع وقع الكلمة فتُحدثُ أثرها العميق.. ولك أن تُنصت إلى عبارة * فلن تكون غزّة.. إلاّ كما كانت دوماً* ستحس بسكتة خَفيفة بعد كلمة غزّة ثم صُعود للمُنحى البياني والذي يبين تحكم الملثّم بالمُوسيقى الداخلية للكلمات فيعزفُ بكلماته على أوتار قلوب الملايين ليُحدث فيهم العجب فينالُ التأييد والإعجاب.. فبلغ ببعض المتابعين إلى أن ينصحوا بالاستماع إلى خطابات الملثم لشدّة تشابه أثره مع أثر الأدوية المُهدئة لخفض التوتر والقلق وتشنّج الأعصاب.. وهذا من شدة فعالية نبرة الصّوت والتي هي أقربُ إلى اليد الحانية الدافئة التي تمسحُ على الرّأس أو تُطبطب على الصّدر او تُربّتُ على الكتف وتقول لك :إهدأ.. إهدأ.. بإذن الله.. سيكونُ كلّ شيء على ما يُرام.. وهي نفسياً تُحاكي ما قالهُ صلّى الله عليه وسلم لأبي بكر في غار ثور (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) .. التوبة 40 .. فهي عبارةٌ تحملُ من اليقين في الله والثبات على الحق ما تحمله وأنّ الوضع سيكونُ بخير بمشيئة الله.
إضافة إلى هذا فنبرةُ الصّوت تحملُ معها بصَماتٍ من الواقع.. وأهل الإلقاء يعلمون بأن الظّروف المُحيطة بالمُتحدث تظهرُ آثارُها على ما يخرجُ من حُنجُرته والعكس صحيح.. فتكون بذلك للصّوت بصمة.. فإذا كان المُتحدث في بيئة مُخيفة يظهر في نبرة صوته ارتعاشٌ وخوف.. وفي المُقابل إذا لمسنا في نبرة ُصوته سعادة فقد نتصوّر بأن في بيئته ما يُسعدُه.. ولكن في غالب خِطَاباتِ أبُو عبيدة بالرّغم من تَواجده تحتَ قعقعة الرّصَاص وأزيزِ الطائرات ودَمدمةِ الصّواريخ وهدير الذّبابات إلاّ أن نبرتُه الهادئة والصافية تجعلُ من المُستمع إليه يحسّ بأنه موجودٌ في بيئة غير هذه البيئة.. فيتصورُ بنفس القاعدة السّالفة الذكر أن أبا عبيدة في مأمنٍ ومازال يحتفظُ بكامل قواه هو ومن معهُ من أجل الظّفر بالنّزال.. وهذا ما يُحدث استرخاءً سيكولوجيا على الجماهير العريضة التي تُنصت له بهوس.
ـ استعمال لغة الجسد :
أمّا رفعهُ للسّبابة فهي حركةٌ تتلاءم مع موقف التّوعد والتّهديد للعدو.. والاكثارُ من رفع السّبابة في لغة الجسد تشيرُ إلى أنّ المتحدّث صاحب سُلطة وكلمة وهذا أهمّ معنى مُختبئ خلفَ سبّابة المُلثم وكأنه يقول: نحنُ المُسيطرون على تفاصيل المَعركة ولنا الكلمةُ الفصل بإذن الله.
ـ استعمال مهارة الظُّهور والاختِفاء:
ونقصدُ بها عدم وجود ترُدد زمني مُعين يظهر فيه المُلثم.. فقد يظهرُ اليوم ثُم يختفي ثم يظهرُ بعد 4 أيام ثم يختفي ثم يظهر بعد 7 أيام ثم يختفي ثم يظهر بعد 3 أيام ثم يختفي.. واستعمالهُ لهذه المَهارة جعلتهُ أشبه بالبَرق.. نعلمُ جميعاً أن الغمام يملأ أحشاء السّماء لكننا لا ندري متى يظهر وأينَ يظهر؟ فيصنعُ بذلك عنصر التّشويق لدى المتابعين.. فتُعقد مراصد تترقب ظُهوره من أجل أخذ جرعة جديدة.. أهل الأرض ينتظرون جُرعة الأمل وأهلُ الباطل ينتظرُون الحَصيلة الحقيقة.. لأنهم يثقُون بالمثّلم لا بصَاحِبهم.
ـ استعمال الدقة والمصداقية:
نعم كان أبو عبيدة دقيقا في الحقائق التي يسردها واستعمل لغة الأرقام لأن لغة الأرقام من أقوى لغات الخطاب وكي يسدّ ثغرة التشكيك التي من المؤكد أن العدو سيتحدث عنها عمد هو فريقه توثيق أهم الوقائع بالفيديوهات وهذا ما ثقل كفة المصداقية عند الملثم وطاشت كفة المتحدث باسم جيش الاحتلال.
خامساً: معركة أخلاقية:
هذه المعركة يقودها الشّعب جميعاً أفقياً وعمودياً.. من قادة الفصائل إلى عُموم الغزاويين.. وتحتاجُ إلى الكثير من المهارات النّاعمة وأهمها رباطةُ الجأش أو هناك من يحلو أن يُطلق عليها بمصطلح حداثي الصّلابةُ الذهنية.. وهي استقرارُّ الشخص وتحكمه التام في قواه العقلية وقدراته الحسية وسلوكياته رغم الضّغوط العالية.. فهي باختصار الثباتُ رغم الشّدائد والمصائب.
بالله عليك.. تخيّل نفسيّة حُرّاس المُقاومة الذين يُشرفون على الأسرى الصّهاينة بل يحمُونهم بأرواحهم ويُشاركونهم الأكل والشّرب ويُعاملونهم بأفضل مع أوصى به نبيُّ الرّحمة أن يُعامل الأسرى.. وفي ذات الوقت يعرفُ الحُراسُ يقيناً بأنّ أهلهم وإخوانهم وأبناءهم من دمهم ولحمِهم يُقصفون بطائرات وصواريخ العدو بلا رحمة ويُبادون عن بكرة أبيهم بلا شفقة... تخيّل !!
بالله عليك.. كم عددُ المكابح التي تمنعُ عاطفتهم من الهَيجان الأرعَن؟.. كيفَ لم يتسرّب إلى نَفسيّة واحدٍ منهُم أن يُخرج رشّاشاً ويُبيد عدداً من الأسرى الصهاينة ؟! حتى يُشفى غليلهُ ممّا يتألمُ به وممّا يراهُ من أشلاء وجُثث متفحمة لأهله في غزة؟! كيف لم يفعل وهو الذي ينظف المراحيض للأسرى اليهود ويحترم خصُوصِياتهم ويجلبُ لهُم الدّواء؟! وفي ذات اللّحظة يعلمُ بأنّ العدُو يُهين الرّجال والنّساء
إيّاك أن تتوهّم بأن السّياسة هي من تكبحُ جماحَ عواطفهم.. لا.. بل رباطةُ الجأش والوقُوف على وصَايا سيّد ولد آدم.. لأنّهم تربّوا في المَدرسة المُحمدية ويعرفُون للنّبي قدرهُ ومنزلته.. فهؤلاء من نسل من قالوا: نفديك بآبائنا وأمّهاتنا وفلَذاتِ أكبادنا وأنفسنا يا رسُول الله.. فالامتثال هو قمة الخلق والأدب... وهذا نصرٌ أخلاقي على العدو لا مِرَاء فيه.. وقد رأينا شهادات الأسرى المُطلق سراحهم ونفسياتهم ففيهم حتى من بدأ يحفظ القُرآن ويصحّح نظرة العالم للمُقاومة..
بعد كلّ هذا التّفصيل في مُستويات المَعارك.. أجزمُ بأن الرّهان الأخير يكون على الأطول نفساً وصبراً في الميدان.. قيل أنّ رجلاً سأل عنترة بن شداد عن سر شجاعته وقدرته على هزيمة الرّجال مهما كثر عددهم أمامه.. فقال له عنترة: ضع إصبعك في فمي وخُذ إصبعي في فمك.. فعض كل واحدٍ منهما الاخر، فصرخ الرجل ولم يستطع تحمل الوجع ولم يصبر، فقال عنتره له: لو لم تصرخ أنت لصرختُ أنا .. أي بالصّبر وقوة التحمل والجلد.. بمفهوم آخر من يستسلم لألمه أولاً.. وقد أعطى القرآن الاشارة للفريقين:
ـ فأما الآية 96 من سورة البقرة والتي تشيرُ إلى الهدف النفسي للعدو فقال تعالى: ( ولَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ ).. فالهدف هو الحياة الدنيا.
ـ وأمّا الآية 169 من سورة آل عمران والتي تُشير إلى الهدف النفسي للمقاومة فقال تعالى:(وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)... فالهدف هو الحياة الأخرى.
والمحاكمة بين الفريقين تكون بفهم الآية 104 من سُورة النساء.. قال تعالى: ( إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا).. نعم صدق اللهُ العظيم لأن رجاء العدو حياةٌ دنيا ورجاء المقاومة حياةٌ أخرى.. فما سمعنا من الأمّهات والآباء وكلّ أطياف الشّعب الأبي ـ بعد كلّ غارةٍ ومجزرة ومهرٍ غالي يُدفع ـ إلاّ كلمة الحمدُ لله ربّ العالمين.. الحمدُ لله.. لأنّهم يعرفون بأن الغاية الأسمى هُناك لا هُنا.
وختاماً أشيدُ بعمل فصائل المقاومة والتي أحسنت توزيع الأدوار وملأت سلّة نقاط النّصر لصَالحها فهي مُنتصرةٌ ـ بإذن الله ـ مَهما كانت نتيجة السّجال.. وكفى به نصراً أنّها أطلقت قذائف الياسين 105 من مسافة الصّفر فهدّمت بذلك العَشَرات من الأفكار والأصنام في العقل الجمعي العالمي.. وأعادت ضبطَ مُؤشر البَوصلة العالمية نحو الأقصى من جديد... وختاماً لا يرُوق لي أن أختم إلاّ بعبارة العَزيز أبُو عبيدة إنّهُ لجهاد نصرٌ أو استشهاد..
العناوين المشابهة
الموضوع
القسم
الكاتب
الردود
اخر مشاركة
جعجع: المعركة الانتخابية هي للتخلص من ...
حريات وبرلمانات وانتخابات وحكومات
اسرة النشر
0
السبت 08-01-2022
فتح مراكز اقتراع انتخابات التجديد النصفي ...
حريات وبرلمانات وانتخابات وحكومات
اسرة النشر
0
الثلاثاء 08-11-2022
افتتاح عيادة الدكتور لعجالي المتخصصة في ...
حريات وبرلمانات وانتخابات وحكومات
اسرة النشر
0
السبت 03-06-2023
إرادة ملكية بتعيين المبيضين وزيراً ...
حريات وبرلمانات وانتخابات وحكومات
اسرة النشر
0
الأربعاء 02-12-2020
البيت الأبيض يعلق عرض تقارير الانتخابات ...
حريات وبرلمانات وانتخابات وحكومات
اسرة النشر
0
الأحد 30-08-2020
الخارجية: مقتل مواطن أردني في الولايات ...
حريات وبرلمانات وانتخابات وحكومات
اسرة النشر
0
الثلاثاء 09-02-2021
حي الشيخ جراح عتبة للتحرير
حريات وبرلمانات وانتخابات وحكومات
اسرة النشر
0
الإثنين 10-05-2021
التحالف العربي يرفض تقرير الأمم المتحدة ...
حريات وبرلمانات وانتخابات وحكومات
اسرة النشر
0
السبت 07-10-2017
تعين ممثل للمفوضية السامية للأمم المتحدة ...
حريات وبرلمانات وانتخابات وحكومات
اسرة النشر
0
الإثنين 10-02-2020
القوات المسلحة تؤجل موعد مراجعة المكلفين ...
حريات وبرلمانات وانتخابات وحكومات
اسرة النشر
0
الجمعة 02-10-2020