جديد الأخبار
عرار العرب ولكل
العرب
عرار الإخبارية.. الزيارات(301 ): هنادي أبوقطام، الجامعة الهاشمية
الكاتب:
اسرة النشر بتاريخ: الإثنين 08-05-2023 05:03 مساء
الزوار: 301 التعليقات: 0 المشاركة السابقة : المشاركة التالية
محرك
البحث جوجل
مجلة عاشقة الصحراء
عرار للتراث الشعبي العربي والعلاج بالاعشاب" البرية"::
مجلة المبدعون العرب التي تعنى بقضايا
التربية والتعليم والثقافة::
وكالة أنباء عرار بوابة الثقافة العربية
نشر شاييم بيرلمان Chaim Perelman الأكاديمي البلجيكي المتخصص في القانون وشريكته لوسي أولبريخت تيتكا Lucie Olbrechts Tyteca كتابهما (مصنف في الحجاج: البلاغة الجديدة) عام 1958 باللغة الفرنسيَّة؛ ادعاءً باكتشاف بلاغة جديدة مغايرة في مسارها للبلاغة الكلاسيكيَّة، ثمَّ نُقل الكتاب عام 1969 إلى اللغة الإنجليزية مع تغيير طفيف في العنوان ليصبح: (البلاغة الجديدة: مصنف في الحجاج). هنا مربط الفرس وبقعة الضوء التي غفل عنها الباحثون؛ ذلك أنَّ القلب في العنوان عند بيرلمان وتيتكا لم يكن اعتباطيًّا، وهو ما أحدث جدلًا مربكًا في الأوساط الأكاديميَّة خاصة الأمريكيَّة، مما دعا البعض للإمعان في الدوافع المُبطَّنة التي استدعت المشتغلين في هذا الحقل إلى كشفها والقفز عن شعابها الوعرة، فكان لا بدَّ من المواجهة وتفكيك تلك الخطابيَّة المراوغة، وهو جلُّ الجهد القيَّم الذي تكلَّف به الناقد الأردنيّ عبد القادر الرَّباعي.
يقودنا هذا الاستهلال إلى منجز جديد في المدونة النقديَّة العربية وهو: (البلاغة الجديدة وتحليل الخطاب: إعادة اكتشاف نظرية الجدل)، الصادر عن دار فضاءات الأردنية 2023م. وكشفًا عن توجُّه الكتاب ومساره، نستحضر فلسفة جاك دريدا المتمثلة في الهدم قصد البناء، وهي محاولة تفكيكية جادَّة للكشف عن الصدوع النَّصيَّة التي لا يتأتى بروزها إلا بواسطة التدمير ثمَّ الشروع إلى تقديم قراءات حفريَّة؛ لاستنطاق مناطق العمى.
تمحور كتاب الرَّباعي في ثلاثة فصول رئيسة، رمى المؤلف من خلالها إلى إعادة اكتشاف الجدل الكامن حول كتاب بيرلمان وتيتكا بنسخه الثلاث: الفرنسيَّة، والعربيَّة، والإنجليزيَّة. عكست النسخة الفرنسيَّة وهي النسخة الأم الحجاج بوصفه أداةً للإقناع والإذعان، وهو ما أعطى بيرلمان وتيتكا حُجة قويَّة لادعاء مجيئهما ببلاغة جديدة أو (العلم العتيق) على حدِّ قولهما. وهو ما دفع الرَّباعي إلى وضع النسخة الفرنسيَّة في ميزان النقد والتقييم خاصة بعد عرض أهم الأفكار والقضايا التي تناولتها، متكئًا على ثلاثة أمور مهمة بدءًا من لغة الكتاب، وعلاقته ببلاغة أرسطو في كتابه (الخطابة)، وانتهاءً إلى قيمة المتن في حقل الحجاج بوصفه البلاغة الجديدة أنذاك.
ومما يؤخذ على مفهوم الحجاج عند بيرلمان، أنَّه تنقَّل بين ثلاث مفردات هي: التسليم، والإخضاع، والإذعان[ص40]، وهو ما يضع القارئ في خانة الشك متسائلًا: كيف لهذه البلاغة أن تكون حواريَّة كما ادَّعى بيرلمان إذا كان عمادها الرضوخ والقسر! هذه الاشتباكات مجتمعة ساقت الرَّباعي إلى الحفر في أعماق النص، «فالحوار يعني الأخذ والردّ للوصول إلى الالتقاء في الرأي أو عدم الالتقاء»[ص41]، وهو ما ليس له مكانة في البلاغة القسريَّة، كما نال الأدب حظّه من الحذف والإقصاء من خلال «إلغاء بيرلمان القيمة الإنسانيَّة في كل ما هو جميل واستخدامه إيَّاها وسيلة ماديَّة للحجاج»[ص42]، وعليه كانت بلاغته الجديدة بعيدة عن الأسلوب والجماليَّات الكامنة في الصورة الفنيَّة وغيرها مما عدَّها أدوات للتنميق والتزيين، هذه النظرة التجريديَّة تتنافى مع بلاغة أرسطو ومن بعدها البلاغة العربية.
أمَّا عن علاقة مصنف الحجاج بخطابة أرسطو، فقد أتى الرَّباعي على ذكر البنى الأساسيَّة لبلاغة أرسطو قصد الموازنة، وأميزها «لغة الإقناع فهي عند أرسطو لغة الإمكان وعند بيرلمان لغة القطع»[ص45]، وهو ما دفع عن أرسطو قسريَّة الخطاب التي أُدين بها سابقًا مؤكًدا حرية الجمهور في محاوراتهم، وهذا يأخذنا إلى أنَّ البلاغة الجديدة مختلفة تمامًا عن بلاغة أرسطو وليس كما ادَّعى بيرلمان من أنَّ مشروعه هو بديل للبلاغة الكلاسيكيَّة!
سلَّط الفصل الثاني من الكتاب الضوء على البلاغة الجديدة بنسختها العربية من خلال الوقوف على عدَّة دراسات اتَّخذت من كتاب بيرلمان وتيتكا فتحًا لها أبرزها كتاب محمد العمري: (البلاغة الجديدة بين التخييل والتداول). وناقش المؤلف مجموعة المسائل التي تبناها أنصار البلاغة الجديدة ومنها: الربط بين الشعرية والخطابية، والاحتفاء بالصورة البلاغيَّة Figure على حساب الصورة الشعريَّةImagery، فالأولى تؤدي وظيفة حجاجيَّة والثانيَّة فنيَّة جماليَّة[ص110]، أراد بيرلمان من محاورة المسائل السابقة إيجاد قاعدة شرعيَّة لقيام مشروع البلاغة الجديدة.
أمَّا النسخة الإنجليزية فقد شكَّلت التفافة بارزة؛ حصر الرَّباعي جهده فيها بترجمة مجموعة من المقالات والأوراق البحثيَّة، بعيدًا عن أيّ تدخل منه في المتن، مما جعل هذه النسخة مرآة عكست مدى يقظة النُّقاد في الوسط الأمريكيّ للبلاغة الجديدة. نعود للوراء قليلًا لنذكر أنَّ غرض بيرلمان من قلب عنوان الكتاب تمثَّل في خلق نوع من القبول الحافل عند الأمريكيين بهذا المشروع الجديد، فالتغيير في العنوان كان شكليًّا أمَّا محتوى الكتاب فهو على عهده كما في النسخة الفرنسية، وهذا تأكيدٌ أنَّ الحجاج عند بيرلمان هو الأصل ومصطلح البلاغة الجديدة أداة للفت النظر لا غير.
ومن النُّقاد الأمريكيين الذين كشفوا عن جوهر البلاغة الجديدة: جيمس كروسوايت James Crosswhite، وليزا إيد Lisa Ede، وميشيل بولدوك Michelle Polduc، وديفيد فرانك David Frank، وثوماس وليم Thomas William. أمَّا أبرز ما جاء به هؤلاء وعلى رأسهم جيمس كروسوايت الذي كان من أشدّ المدافعين عن بيرلمان وتربطه به علاقة متينة، لكنه في معرض حديثه أشار إلى أمور مهمة أبرزها: «اعترافه أنَّ الجمهور العالميّ Universal Audience عند بيرلمان هو رمز للقوميَّة اليهوديَّة أو بمعنى أدق الصهيونيَّة»[ص150]، لذلك رأينا بيرلمان في أكثر من مكان في كتابه رافضًا للحدث الشخصي،Self Evident أمَّا ليزا إيد فتحدثت عن ارتباط البلاغة بالفلسفة والنقد، وهو ما أعرض عنه بيرلمان، فالبلاغة الجديدة عنده حجاجيَّة فقط نافيًّا ارتباطها بالفلسفة واتجاهات النقد الأدبيّ الحديثة، وهذه ردَّة فعل طبيعيَّة من شخص غير متخصص بحقل البلاغة! في المقابل أكدت ليزا إيد أنَّ هذه الفاعليَّة التي نفاها بيرلمان «يمكن أن تشجع العلماء على تطور هذه العلاقة التشاركيَّة المختلطة مع مناهج أخرى، وهي فرصة ثمينة أفضل من إحيائيَّة أحاديَّة -تقصد الحجاج-»[ص156]، وأشارت ميشيل بولدوك في بحث لها إلى أنَّ البلاغة الجديدة عند بيرلمان هي في الحقيقة مشروع للردِّ على اللاساميَّة ومعاداة التوطين، ونوَّهت في معرض حديثها إلى أنَّ «بيرلمان مع زوجته Fela نظَّما قاربًا في July عام 1946، لهجرة اليهود إلى فلسطين، وهي هجرة لم تكن قانونيَّة في ذلك الوقت»[ص157].
وأشار ديفيد فرانك في أوراقه إلى أنَّ بيرلمان وتيتكا انتقدا في مشروعهما «التقليد الغربي للفلسفة، ومنطق أرسطو، وأنَّ خطابهما تحول إلى التفكير اليهودي والحجج التلموديَّة بصفته نموذجًا مضادًا»[ص159]، كما رأى أنَّهما جلبا العقليَّة اليهوديَّة والأفكار التلموديَّة إلى الحجاج، وحاولا إلصاق ذلك بالتراث البلاغي الغربي، وهذا بدوره أعطى لبيرلمان قبولًا بين اليهود «حتى كرمته الجامعة العبريَّة، فمنحته الدكتوارة الفخريَّة عام 1980»[ص160] تقديرًا لجهوده في دعم الصهيونيَّة.
وفي ورقة أخرى أثبت فرانك يهوديَّة بيرلمان وتعصَّبه، فالبلاغة الجديدة عنده قائمة على التعدديَّة المناقضة للعقلانيَّة الديكارتيَّة والفلسفة الغربيَّة التي «ترتد دائمًا إلى جواب واحد مقنن ومقنع،، وعلى العكس فإنَّ الفكر التلمودي متعدد الأجوبة للسؤال ذاته»[ص164]، وهذه محاولة جادَّة من بيرلمان لوضع بلاغته على خارطة الفكر التنويري وفلسفة ما بعد الحداثة للمناداة بالعدالة القوميَّة اليهوديَّة، والورقة الأخيرة من أوراق فرانك وهي الأهم كانت بعنوان (الجدل مع الله: خطاب التلمود)، ركزت على حقيقة واحدة مفادها أنَّ الجدل متأصل في البيئة الدينيَّة اليهوديَّة لذلك حاز على جلَّ اهتمام بيرلمان في مشروعه الذي رمى من خلاله إلى حماية اللغة القوميَّة اليهوديَّة من تبعات الحرب العالميَّة الثانية.
واللافت في هذه المقالات أنَّ مصنف بيرلمان وتيتكا وقع في شباك النقد الأكاديمي الأمريكي الذي كشف عن حقيقة هذا المشروع، فالحجاج عندهما هو امتداد للجدل التلمودي المستمد من الفكر اليهوديّ، وذلك لديمومة النُظُم اليهوديَّة، ومنه عُدَّ «الكتاب سياسيّاً بامتياز؛ انحاز للذات وللقوميَّة اليهوديَّة التي ينتسب إليها، أكثر من انحيازه للعلم»[ص177]، وما كان له أن يحقق شهرة واسعة لولا غموض اللغة التي أشارت إليها ابنة بيرلمان (نيومي Noemi) في حوار لها مع أبيها نقله ثوماس وليم. ختامًا أرى أنَّ النصوص تمتلك دائمًا ما يساعد على استنطاقها، وجعلها تتفكك بنفسها، وهو ما أرسته تلك المقالات التي قوَّضت كتاب بيرلمان وتيتكا بضربات المطرقة وأفشت لعبته الأيديولوجيَّة الكامنة في ثنايا متنه، فبعض الكتب تتعدى حدود عناوينها إلى فضاءات أرحب وربما تكون على حين غفلة ذات وقع أخطر!
العناوين المشابهة
الموضوع
القسم
الكاتب
الردود
اخر مشاركة
مسرح الطفل تراث وثقافة ودعامة أساسية ...
ثقافة وأدب وشعر
اسرة النشر
0
الأربعاء 26-12-2018
الندوة الصحفية للدورة 42 للمهرجان الدولي ...
ثقافة وأدب وشعر
اسرة النشر
0
الخميس 11-08-2022
«خط أحمر» كتاب جديد يوثق لخطابات جلالة ...
ثقافة وأدب وشعر
اسرة النشر
0
الثلاثاء 31-07-2018
تعرف إلى المثالية الجديدة في الفلسفة
ثقافة وأدب وشعر
اسرة النشر
0
السبت 01-06-2024