مداخلة الاستاذة عائشة معتوق بالملتقى الدولي الخاص بالانسانيات والثقافات والتحولات الرقميّة بكليّة الآداب والعلوم الانسانيّة بصفاقس : 

بسم الله الرحمن الرحيم 

السّادة والسيّدات الحضور الكرام 

الدّكتور المحترم الأستاذ محمد محسن الزارعـي

الأسرة الجامعيّة بكليّة الآداب والعلوم الانسانيّة بصفاقس 

الهيئة المنظّمة للملتقى الدّولي الخاص بالانسانيات والثقافات والتحولات الرقميّة .

تحيّة تليق بمقامكم الرّفيع وشكرا لكم من القلب على الدّعوة الكريمة التي نالني بها شرف الحضور بينكم والمشاركة في الملتقى ..سعيدة جدّا بتشريفكم وأرجو النجاح والتوفيق للملتقى ولكلّ القائمين عليه والمشاركين والمشاركات فيه .

     أصبح العالم اليوم يتحدّث عن الأميّة الرقميّة والأميّة المعلوماتيّة وليست أميّة القراءة والكتابة فقط ..لكن بفعل التحوّل الرّقمي للمعرفة البشريّة باتت هذه الثقافة الرقميّة المتغيّر الأساسيّ في دنيا المعرفة الرقميّة إبّان الثّورات المعلوماتيّة التي شهدها العالم ..ويُقْصَدُ بالثقافة الرقميّة جُملة معطيات ثقافية مستَحْدثَة من جرّاء استخدام التكنولوجيا الالكترونية الجديدة، وما نتج عنها من هُوّةٍ فاصلةٍ بين الدّوَلِ المتقدّمة والدّولِ النّاميةِ والفقيرةِ والتي تعرف ب "الفَجْوَة الثقافيّة".ولا ينكر أحد ما لهذه الثّقافة الرقميّة من عظيم الفضل في تحقيق التقدّم والرقيّ الانساني وتوسيع دائرة الفكر والمعارف والفنون إذ أنّ هذا الفضل مسّ جميع الميادين الحيويّة في المجتمع التربويّ والثقافيّ والصحّيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ والقانونيّ وغيرها من المجالات ...ولعلّ ما أريد الإشارة إليه هو دور هذه الثقافة الرقميّة في إثراء المشهد الاعلامي وسيكون حديثي استنادا إلى تجربة إذاعة علّيسة أف – أم بقابس الإذاعة الرقميّة  

  إذن ما الدّور الرياديّ المهمّ الذي تلعبه الثقافة الرقميــّة لتعطيَ المشهدَ الإعلاميَّ ما يستـحقّـُه من حـُظْـوَةٍ وحُضُورٍوانتشارٍ ؟

وإلى أيِّ مدًى يساهمُ الإعلامُ الرّقميُّ في المحـافظةِ علَى الهـُوِيَّةِ الثـَّقـَافـِيَّةِ للْأَفـْرادِ والمؤسّسات ؟

أصبحت الثقافة الرقميّةُ نواةً أساسيّةً لكلّ أعمالنا واستخداماتِنا الحياتيةِ وهي تعتمد اعتمادا كاملا على المعرفة بالعمل الالكترونيّ وأدواته العديدة وهي المحرّك الرّئيسي لكلّ برنامج تنمويّ أو تعليميّ يهدف إلى الرّفع من مستوى الحياة ومواكبة كلّ رقيّ وتحضّر..وعلى هذا الأساس كان للثقافة الرقميّة دور رياديّ مهمّ في النهوض بالمشهد الإعلاميّ المكتوب والمسموع و المرئي وإحلاله المكانة التي يستحقّ ..وأعتقد أنّ هناك تطابقا تاريخيًّا لمسألة تأثير الثّقافة الرقميّة على التنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة. فخلال العقود الماضية تم إطلاق العديد من المبادرات الرّاميةِ إلى محْوِ الأُميّةِ في عديد الأقاليم إدراكا لأهميِّة تثقيف المجتمعاتِ للوصولِ إلى تطوير المجتمع والاقتصاد. ومع وصول معدّلاتِ الثـّقافةِ إلى مستوياتٍ مقبولةٍ وفي ظلِّ تزايدِ استخدامِ تكنولوجيا المعلوماتِ والاتصالات، فإنّ مفهوم محْوِ الأميّةِ قد أخذ أبعادا جديدةً وتمّ استبدالُهُ بالثّقافة الرقميّة كعنصرٍأساسيٍ للتّنمية. ..ولابدّ من الإشارة إلىالدّور المحوريِّ الذي تلعبه الثّقافة الرقميّة في تبنّي المجتمعاتِ للحكوماتِ الالكترونيّةِ من خلال نشر هذه الثّقافة بين شرائح المجتمع وتطوير المهاراتِ الأساسيّةِ للأفراد في مجال استخدام الكمبيوتر والوسائط الرّقميّة ممّا يؤكّد دورَ الثّقافةِ الرقميّةِ في التثقيف والتّوعية والتّعليم ..وإذا كانت وسائل الاتّصال التقليديّة قد نشطت كثيرا لتوسيع دائرة الثقافة الانسانيّة ، فإنّ الإعلامَ الالكترونيَّ بكلّ وسائله وبرامجِه قد حقّـق ثورةً فكريّةً باذخةً في الحياة العامّة وفي تمكين الأفراد من المعارفِ التي يحتاجونها ..وغدا المشهد الإعلاميُّ مُشرقا بما وفّرته الثّقافة الرقميّةُ من اكتشافاتٍ وثوراتٍ كبيرةٍ قطعت مع الطّرقِ القديمةِ الباليةِ..محاوله ان تستقلبنَسَقِها الخاصِّ الشفّافِ والموضوعيِّ المحايدِ بعيدا عنْ كهوف التّضليل ومزالق التّهميش وسياساتِ المغالطاتِ وبُؤَرِ الفساد الاعلاميّ ..

إنّ الحديث عن وجودنا التاريخيّ و الجغرافيّ وربْطه بالوجود الثقافي إنّما هو في الحقيقة الوجود الذي يحدّد خصوصيّتنا الثقافيّة وهويّتنا الفكريّة وانتمائنا أمام الآخر في ظلّ ما يسمّى بالثقافات المُعـَوْلَمَةِ التي روّجتها وسائل الاعلام المختلفة ووسائل التكنولوجيا المختلفة التي غذّت العقول خاصّة عقول هذا النَّشْءِ الصّاعد من الشّباب الذي أصبح يرى في ثقافة الآخرالوافدةِ خيرَ مُرْشد له دون الانتباهِ إلى الخطر المُحْدِقِ به من طَمْسٍ لِهُـويّته ووجودهِ وهذا الأمر تُغذّيه الثّقافة الرّقميّة الوافدة المُقـَنَّعَةُ عبر وسائط رقميّة متنوّعة ..وهنا يصبح من الضروريّ أن يكون لوسائل الإعلام الرقميّة الوطنيّة الدّور الكبير في ترشيد الشّباب وتعليم الناشئة والذّود عن هويّتنا العربيّة ونشر ثقافتنا .. وفي هذا الصّدد سأعرّج على تجربة إذاعة علّيسة اف بمدينة قابس ودورها في نشر ثقافة رقميّة مواكبة للتحضّر تجمع بين الأصالة والحداثة ومواكبة الأنماط الثقافية العصريّة دون الانسلاخ عن الهويّة الوطنية .. 

اجتهدنا خلال الأربعِ سنواتٍ المُنقضِيَةِ في أن تكون الإذاعة الرقميّة علّيسة أف – م بمدينة قابس إذاعة مراهنةً على طاقات الشّباب وتستلهم الأفكار من الخبراتِ الوطنيّة وتسعى إلى تقديم مادّة مدروسة ذاتِ أهدافٍ نبيلةٍتستندُ إلى المعرفة الشاملة والثّقافة الهادفة والفكر النيّر وهذا يتبدّى بوضوح من خلال جملة البرامج التي تقدّمها، هذه الإذاعة الشّابة نجحت في وقت قياسي وبطاقاتٍ شبابيّةٍ في رفع عديد التحدّيات وربطت شراكات عديدة مع عدّة إذاعات رقميّة داخل تونس وخارجها وكانت صوتَ الجهاتِ في جلّ التظاهرات الثقافيّة والفنيّة والاجتماعيّة والمحطّات السياسيّة ، ايمانا منّا أنّ العمل الاعلاميّ رسالةٌ مهمّةٌ وجليلةٌ تنبني على الالتزام والحياد والشفافّيّة والمصداقيّة في التعامل مع الخبر والصورة .. وكلّ تلك التحدّيات حقّقت للإذاعة انتشارا وتواصلا نراه ما يزال في مقدّمته والطريق مفتوحة أمامنا لنسلكها مؤمنين أنّ النّجاح لا يُهـْدَى وإنّما يُنسَج من خيوطِ الاجتهادِ وَوَبَرِ العزيمةِ وحريرِ النّقاء ..

  من المهمِّ أنْ نذكر أنّ برامج إذاعة علّيسة اف –أم بمدينة قابس تربو عن عشرة برامج متنوّعة شبايبّة – طفوليّة وموجّهة للعموم اجتماعيّة إخبارية فنيّة وثقافيّة أدبيّة ورياضيّة ..والجدير بالذّكر أنّ مواكبي البثّ خلال الأربع وعشرين ساعة كثيرون ونسبة المتابعة مرتفعة وهذا يفسّر إقبال الجمهور على برامجنا لما لها من فوائد .. طبعا نحن لا ندّعي أنّنا الأفضل لكن نزعم أنّنا نقدّم ما يرضي انتظاراتِ المتابعين.. وهنا نتطرّق إلى الفكرة الأساسيّة التي انبنت عليها مداخلتي : وهي أهميّة الثقافة الرقميّة في توسيع دائرة المشهد الإعلامي ، ذلك أنّه لا جدوى يمكن أن تذكر أو يسجّلها الذّهن وتحتفظ بها الذّاكرة ما لم يكن للعمل الإعلامي تحدٍّ نابضٌ يمنح المشهد الاستمراريّةَ والشّمولَ ..

    ختـاماً نَرجو التّوفيق للجميع ونشكر لكم حسن المتابعة والإصغاء