البرنامج في دورته الخامسة تأطّر أكاديميّةً للشعر، تنمّي مواهب تحتاج إلى من يستثمر فيها الحسّ الأصيل في قول الشعر واعتماد خلطات فنيّة في الاستعارات والتجويد، فمن وجهة نظر مدير أكاديمية (الشعر) الشاعر الباحث عضو لجنة تحكيم البرنامج سلطان العميمي لا بدّ أن تتم العناية في جو من الشفافية والصراحة بالأساليب والتقنيات والاجتهادات في حمل المعنى شعراً، وهي أكاديمية، كما رأى عضو لجنة التحكيم أستاذ الأدب العربي الناقد الباحث في التراث الشعبي د.غسان الحسن ترمي إلى حفز الراغبين بتعلّم الشعر وتهيئتهم، مع أنّ للشاعر نفسه دوراً كبيراً في التعلم واجتياز المراحل واكتساب ثقافة الشعر وتمثّلها حين البدء بالكتابة.
تجوال (الرأي) في الأكاديمية، ووقوفها مع شعراء البرنامج وضيوف الأكاديمية، أظهر الرغبة الحقيقية لهيئة أبو ظبي للثقافة والتراث في تبنّي هذا اللون من الشعر إلى جانب الفصيح، ودعمه والحثّ على تعلّمه، طالما أنه ينقل، أيضاً، (أحلام الناس) ومشاعرهم وانفعالهم مع كلّ هذا المحيط.
الجانب النقدي المكاشف على خشبة المسرح أصبح أمراً طبيعياً في موسم البرنامج الخامس، مع الاعتراف بما للبدايات من تحسس تجاه النقد ومحاولة إثبات وجهة النظر الأحاديّة دائماً من قبل الشاعر أو جمهوره. لا يسلم الهدف النبيل القومي أو الوطني أو الديني للشاعر من مقصلة النقد إن لم يشتغل على أبياته ويدهش حضوره وأولهم لجنة التحكيم التي، كما قالت، تسعى إلى العدالة والموضوعيّة، وما ماقشتها الشاعر في معاني ألفاظ بعينها أو توليفة استعارية ما أو وزن جديد أو طارئ أو متعثّر إلا لمزيد من هذه الموضوعيّة.
كما أنّ الشاعر، أيضاً، بات صاحب ثقافة واطلاع، بل خطاب نقدي مقنع، فلم يعد الحاجز قوياً لدرجة أنه لا يذود عن فكرته أو يوضّح مقاصده في هذا البيت أو ذاك، مع أن لجنة التحكيم كانت تمرر ملاحظها الناقدة بذكاء واحترام لشخصيّة المتسابق، من مثل اشتغال الشاعر على الانزياح أو مباشرته الفكره دون أن يراوغها تفاصيلها قيد الكتابة.
من صور الاشتغل على الهمّ الوطني والقومي قصيدة السوري أحمد الخميسي، في نصِّ حمل اسم (الهروب نحو الأعلى)، قال فيه:( يا وطن ماعادت أيامي خضر/ للضما بالجوف زفرات وشهيق/ ودّي اكشف كل  أسرار الجمر/  لين اذوب الثلج في دم الشقيق/ ربّعت وامتد بالبيدا قفر/  وفي بيادر قمحنا شبّ الحريق/ السحاب يمرّنا ما من مطر/ فالهقاوي شحَّت وعزّ الصديق/...../ موطني لو عاش في راسك عمر/ ما نزفت من المضيق اليا المضيق/ والعواصف كيف تجتث الشجر/ ما دعت للورق من غصنِ وريق/حاولت نزع العبير من الشجر/ بالأضافر وانفتق جرح عميق/... واختم الشطر الأخير من الفجر/ بركعتين تنزع من القلب ضيق).
استحسان النقاد للنص كان مبنياً على الأسلوبين الجزئي والكلي في تشكيل الحالة، والأمثلة تنوّعت لدى شعراء وجدوا الوطن يدعوهم لحمله والتغني به، ولكن بأسلوب ناضج، كما في قراءة السعودي مشعل الظفيري، التي حّذّرت وبيّنت، ووقفت على معاني الهدم والبناء باسم الدين، وهي إشارات استجاب لها جمهور القاعة باكتشاف المعاني في أضداد القبح والهدم، ولم يمنع ذلك الشاعر من توطئة شفيفة في قوله: (وتر قوس السّهر شديت واتثنّى/ بكفيني وصيّرت الحروف اسهام/ وانا حالم ثلاث اعوام ما منّى/ سهم حرفه ولاصبّ الحبر باقلام/ ولا مرّ السهر جفنه ولا حنّى/ وتر قوسه ولا صاغ الكلام احلام/ ولا نوّت ورق حلمه ولا غنّى/ ولا مرّ الشعر ليله ثلاث اعوام).
هذان أنموذجان على تلبّس الحالة العربيّة الراهنة شعراً، وهما يؤيدان أنّ الشعر لا يقف عند حدِّ أو ينغلق، ومن جهة ثانية، فقد رأى مهتمون أنّ في برنامج (شاعر المليون) تشاركيّةً في التعرّف إلى التقنيات والأساليب واللهجات العربية والأوزان المعتمدة، فلم تعد فجوةً بين المشارقة والمغاربة، على سبيل المثال، في فهم الشعر، الذي هو فهم لاحق لفهم اللهجة أو سياقها العام.