التي اقر واعترف بخشيته منها، كما هو هاجس رجال الأمن من اهل الثقافة، بل وهي تثير الرعب في نفسه كثيرا، وقد قال فيها: عندما اسمع كلمة ثقافة أسارع الى تحسس مسدسي.
وبالطبع والأكيد ان غوبلز يخشى ثقافة المبادئ والالتزام والاصالة، ويتبنى ثقافة الزيف والدجل والكذب التي هو احد منظريها ومروجيها.
وطيلة ثلاثة عقود ونصف العقد من الزمن ومن خلال العمل الاعلامي، تعرف كاتب السطور على كثير من النماذج التي يتخفى وراءها «المثقف الدجال» بعضها مشهور والآخر مغمور، وبعض ثالث بين وبين، بيد ان اللافت في الامر هو ان الكتاب الذين كانوا في ضيافة النظام، وما يستوجب على هذه «الضيافة» من مديح وتلميع ونفاق، كانوا السباقين في شتم هذه النظم، كما هو حاصل في الاحداث الاخيرة التي اطلقوا عليها في بادئ الامر تسمية «الربيع العربي»، ثم استدركوا بتسمية اخرى «الخريف الاسلامي»، بعدما حصد الاسلاميون ما زرعه شباب الميدان الذين ظلوا متخندقين في مواقعهم، وكأنهم غافلون عن الطرف الآخر، حيث راح الآخرون يجنون الثمار من دون عناء!
واذكر في هذا السياق، وخلال سنوات المعارضة العراقية السابقة، كنا مجموعة متنوعة في الاتجاه السياسي، وكنا نقوم بتحرير جريدة الشمس، حيث كان بيننا: المستقل والقومي والاسلامي واليساري، واذكر ايضا ان حسن العلوي في احدى جلسات هذه المجموعة في منزله، قال: سنبقى في موقعنا هذا حتى لو تغيرت الاحوال في العراق، وقد كان يتحدث عن موقف الجريدة الذي كان مناهضا للجماعات التي كانت تتحكم بموقف المعارضة السابقة، وهي الجماعات نفسها التي دخلت العراق مع الاحتلال، وتسلمت السلطة تحت مظلته حتى هذا اليوم.
اللافت في الامر ان جميع افراد المجموعة المذكورة «هرولوا» خلف الاحتلال، بل وكان بعضهم في خطاه متساوياً، مع خطى هذا الاحتلال عندما دخل العراق! ما عدا كاتب السطور ومن رحل عن دنيانا، حيث مازلت في موقعي ومنفاي صامداً رغم كل الظروف والمعاناة المستمرة، حتى اني رفضت اللجوء والتوطين في بلاد الله الواسعة، كما فعل الملايين من العراقيين.
لذلك، فالثقافة مبدأ وموقف ومجد، وقبل كل هذا: الثقافة وطنية، والمثقف الوطني هو الذي يقابل المثقف الدجال، اذ ليس من المعقول ترك الساحة الثقافية للدجالين ومنتهزي الفرص، حتى لو استأثر هؤلاء بالجاه والنفوذ والسلطة الى حين، لأن الوطنية هي السرمد الى ما لا نهاية، بينما السلطة تزول حتماًَ!

عبدالزهرة الركابي
rekabi@scs-net.org

عن القبس الكويتيه