عرار:

 عمان- دعا د.عماد الضمور إلى إقامة ملتقى خاص بالأدباء الأردنيين في المهجر بات ضرورة ثقافية وإبداعية؛ للاهتمام بإبداعهم، وإحساسهم بأنهم جزء لا يتجزأ من المسيرة الوطنية في مجالاتها كافة، وبخاصة الثقافية منها.
واعترف الضمور، في الندوة التي أقامها منتدى الرواد الكبار أول من أمس بعنوان "شعراء الأردن في المهجر"، وأدارتها القاصة سحر ملص، بالتقصير في دراسة الأدب الأردني شعراً ونثراً، حيث لم نمنحه ما يستحقه من ثراء ودهشة.
وأشار المحاضر إلى أن الأصوات الشعريّة الأردنية المهاجرة حملت عشقاً معتقاً للوطن، ووجداً صادقاً، وفيضاً من المشاعر الجياشة لوطن لا يغيب عن أذهانهم، عاطفة وخيال ورقة وإحساس مليء بالشوق لوطن معشوق، لافتا إلى أن  النزعة الإنسانية، والحزن على فراق الوطن، فضلاً عن اللجوء إلى التأمل فراراً من صخب الحياة من الملامح المميّزة لتجربة الشعراء الأردنيين في المهجر، من الناحية الفنية فإن السهولة والوضوح والحلولية في المكان، والاحتفاء بالطبيعة، وعفوية الصور من أوضح السمات الفنية لأشعارهم.
ورأى الضمور أن التجربة الشعر في المهجر تبقى لها خصوصيتها وألقها ووهجها، فمن رحم الشوق والحنين ولدت ومن أعذب الكلمات تُصاغ وبأرق العبارات تتوهج المعاني في قلوب المتلقين، فهو استجابة لانفعال عاطفي واختمار فكري وروحي وانعكاس لرؤية جمالية تحقق إضافةً نوعيّة مهمة لحركة الشعر في الأردن، فالصوت الروحاني قوي، وهو صوت صافٍ عذب يُذكرنا بـ"أبي القاسم الشابي"، "إبراهيم ناجي"، "علي محمود طه"، وغيرهم.
وتحدث المحاضر عن السمات المهمة في أشعارهم؛ حيث تتمثل في النزوع التأملي فضلاً عن اهتمامهم بالطبيعة، وتقديسهم لها، وامتزاجهم بها، فهم يعزفون على وتر الغربة والحنين إلى الوطن، ويعلنون تشبثهم بالجذور بلغة عاطفية تخترق القلوب، فعندما نقرأ لكوكبة رائعة من شعرائنا في المهجر صهرت تجربة الغربة تجربتهم الشعريّة فضلاً عن تفاعلهم مع المثقفين العرب في المهجر وسطوع إحساسهم بالمواطن العربي وهمومه، مشيرا إلى بعض اللون الشعري التي لا نكاد نعثر عليه إلا عند الشعراء المهجريين، فهم مؤثرون في مسيرة الشعر، وهذه النغمة العاطفية لا نعثر عليها إلا عند مَنْ فارق الوطن، وعاش في بلاد بعيدة وبين شعوب مختلفة في الدين والفكر والثقافة.
ورأى الضمور أن تشكل نمطا وجدانيا عميقا هو أثر لهؤلاء الشعراء، فكلماتهم مشحونة بلغة خاصة، ووجد خاص، ممّا يُحتّم علينا النظرة لأدب المهجر من زوايا مختلفة: نفسية واجتماعية، وتعبيرية، مبينا أن اللغة والصور والاستعارات محكومة بالجانب النفسي الانفعالي، فالفكر والعاطفة موجهان للممارسة اللغوية، وقادران على صياغة وجدانية مؤثرة في الآخرين، كما أن التشكيل اللغوي للذات يقود إلى تشكيل عاطفي مهم زاخر بالعنفوان والحيوية، ولعل بروز الروح العربية والذات الشرقية العربية الأصيلة سمة واضحة في هذا الشعر، روح تحن إلى الوطن وتتمنى لقاءه؛ إذ تتبدى الأنا الشاعرة المنفردة في علاقتها بالواقع وقضاياه.
ونوه المحاضر إلى الجانب الرومانسي يظهر بشكل واضح في أشعار المهجريين، وهو اتجاه ينحاز إلى التواصل الجمالي مع المتلقي؛ ليحمل في ثناياه تفضيلاً لحقل الطبيعة، وسياقاته الدلالية، التي تعتمد على التشخيص، وتكوين الصورة المركبة التي جعلت لغة الديوان تميل إلى تصعيد الخطاب الوجداني مع المتلقي، وتعبّر عن حالة وهج وجداني، يحتفل بالأنوثة ومفرداتها؛ فالأنثى غواية، والطبيعة كذلك، فضلاً عن كونهما مصدراً مهماً للإبداع، وقيمة جماليّة وفنيّة حاضرة بقوة.
واستعرض الضمور عددا من الشعراء الأردنيين في المهجر مثل: عيسى الناعوري "1918-1985"، الذي قام برصد إبداعات أدبية مهاجرة منذ وقت مبكر، بعدما أسس لبداية قوية تعدّ حلقةَ وصلٍ واضحة تربط الأدب المهجري بالأدب الأردني، وكذلك حسن بكر العزازي "1936 ـ 1983"، الذي هو من أوائل الأصوات الشعرية المهاجرة إلى أوروبا "هولندا"، والشاعر عيسى قنصل، المولود في مادبا في العام 1946، كذلك الشاعر عيسى بطارسة المولود في جرش في العام 1943 يُسهم في تأسيس المنتدى الثقافي العربي الأميركي في مطلع تسعينيات القرن العشرين مع الشاعر حكمت العتيلي والشاعرة سلوى السعيد، كذلك تجربة الشاعر أمجد ناصر الإبداعية، وترسيخه لهوية قصيدة النثر من خلال إبداعاته الشعرية في المهجر.
وأشار المحاضر إلى أن الكلمات لم تعد وسائل اتصال حيادية المعنى، بل صارت ذات دلالة إيحائية، وذلك بحضورها المادي المجسد القادر على التشكيل البصري للكلمات، وجعلها ذات أبعاد روحية خصبة، تؤجج المشاعر، وتحمل المتلقي إلى اكتناه أسرار الأنوثة، والنعيم بعالمها الساحر.