انطلقت المجلة لتكون منصة مفتوحة للكتّاب والمثقفين الأردنيين والعرب، وتوثق الحركة الثقافية والفكرية في المنطقة. من خلال نشر قصائد الشعراء، ودراسات المفكرين، وترجمات الأعمال العالمية، استطاعت "أفكار" أن تظل رائدة في مجال النشر الثقافي، على الرغم من التحديات التي واجهتها.
ويشير أبو لبن إلى أن المجلة مرت بالعديد من المراحل والتطورات التي ساعدت على تعزيز مكانتها، بدءا من توقفها في أوقات عصيبة، وصولا إلى استئناف صدورها بصورة منتظمة، لتكون اليوم مرجعا مهما للباحثين والمهتمين بالأدب والفكر في العالم العربي.
يوضح أبو لبن أن كتابه يأتي استكمالا لكشاف منشورات وزارة الثقافة للفترة 1966-2011، الذي صدر في عام 2013 ضمن سلسلة "كتاب الشهر" رقم (171). كما يشير إلى أنه تم تكليفه من قبل وزيرة الثقافة السابقة هيفاء النجار بإعداد هذا العمل، وقد كان له شرف القيام بذلك للمرة الثانية.
ويضيف أنه استغرق عشرة أشهر من البحث والتنقيب والجمع حتى اكتمل الكتاب، مع الاعتراف بأنه قد يجد القارئ أو الباحث بعض الأخطاء التي قد تُصَحح في طبعة ثانية إن حالف الحظ لهذا الكشاف أن يرى النور. ويؤكد أن الهدف من هذا الكتاب هو توثيق علمي وضبط ببليوغرافي لكل ما صدر عن الوزارة من كتب في السلاسل خلال الفترة من 2012 إلى 2023.
أما بالنسبة للمجلات والدوريات التي صدرت خلال هذه السنوات، فقد أشار أبو لبن إليها بشكل عام في مقدمته، حيث توقف على واحدة من المجلات المهمة التي تصدرها الوزارة، وهي مجلة "أفكار". وقد اختار التوقف عند هذه المجلة لكونها الأبرز والأكثر انتظاما في الصدور منذ عام 1966 وحتى الآن، حيث تعد واحدة من المجلات الأردنية الوحيدة التي حافظت على صدورها بانتظام. أيضا، مجلة "وسام" للأطفال.
ويشير إلى أن "أفكار" تتمتع بشهرة وتوزيع كبيرين مقارنة ببقية المجلات الأردنية. وقد أصدرت وزارة الثقافة العديد من المجلات الأخرى إلى جانب "أفكار"، مثل: مجلة "الفنون الشعبية"، مجلة "صوت الجيل"، مجلة "وسام"، مجلة "فنون"، ومجلة "تراث".
ويتحدث أبو لبن عن مجلة "أفكار" باعتبارها نموذجا لعلاقة الأدب بالإعلام، حيث تمثل حاضنة للكتّاب الأردنيين والعرب. ويؤكد أن الصحافة تعتمد بشكل أساسي على صدور الصحف والمجلات، بالإضافة إلى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وأنه مع تطور التكنولوجيا أصبحت وسائل الاتصال الجماهيري أكثر تنوعا وشمولية، تضم فضائيات وإذاعات وإنترنت وفيسبوك وتويتر، فضلا عن الهواتف المحمولة.
ويشير أبو لبن إلى أن أول عدد من مجلة "أفكار" صدر في عام 1966، أي قبل أكثر من نصف قرن، عن وزارة الإعلام التي أُنشئت في عام 1964، وكان يترأسها آنذاك المرحوم عبد الحميد شرف. حيث تقدم الشاعر عبد الرحيم عمر باقتراح إصدار مجلة ثقافية بعد توقف مجلتي "القلم الجديد"، لصاحبها عيسى الناعوري، "الأفق الجديد". التي كانت تصدر عن "جريدة المنار" المقدسية عام 965، وأول رئيس تحرير لها كان جمعة حماد، ثم تولى رئاستها أمين شنار.
ويشير أبو لبن إلى أن المجلة واجهت صعوبات مالية منذ بدايتها، لكن فريق التحرير تمكن من التغلب عليها، حيث صدر العدد الأول في حزيران 1966 برئاسة عبدالرحيم عمر، وضم فريق التحرير آنذاك عددا من الأسماء المميزة مثل زهدي السقا وسعيد كمال وتيسير سبول وفايز الصياغ ونازك البيطار، ومهنا الدرة مشرفا فنيا، وتولّى رئاسة تحرير أفكار بعد عبدالرحيم عمر، سليمان الموسى ومحمود سيف الدين الإيراني وحسين جمعة وإبراهيم العجلوني وحسني فريز وأمينة العدوان ومحمد سمحان وسلامة محاسنة وبدر عبد الحق وغيرهم. وغيرهم.
كما يذكر أبو لبن أن المجلة كانت حريصة على اختيار اسم يعكس تنوع اهتماماتها الثقافية والفكرية، حيث طرح عبدالرحيم عمر سؤالين: الأول عن الفئة المستهدفة من المجلة، والثاني عن اسم المجلة، فكان الرد أن المجلة موجهة إلى جميع المثقفين، وعُرفت باسم "أفكار" لتجنب الارتباط بأي جهة رسمية قد تثير حساسية لدى بعض الكتاب والمثقفين.
بدأ صدور مجلة "أفكار" في حزيران من عام 1966، وقد لاقت صدى واسعا بين الكتّاب والمثقفين، واستُقبلت بحفاوة في مختلف الأوساط الثقافية والإعلامية، خاصة أنها مثلت صوتا إعلاميا جديدا في وقت كان فيه الصوت الإعلامي محدودا جدا بالمقارنة مع الوضع الحالي. وما إن صدر منها ثلاثة عشر عددا حتى توقفت عن الصدور في أعقاب حرب حزيران عام 1967، واستمر توقفها حتى أيلول من عام 1971.
ويشير أبو لبن إلى أن محمود سيف الدين الإيراني، الذي كان يشغل منصب رئيس تحرير "أفكار"، كتب في افتتاحية العدد الذي صدر بعد توقف المجلة قائلا: "تعود "أفكار" إلى الصدور بعد احتجاب طويل، لم يكن لنا فيه يد، بل كانت الظروف في أعقاب معركة حزيران هي السبب. وفي اعتقادنا أن إصدار "أفكار" أربع مرات في السنة، وعلى هذه الصورة الماثلة بين يدي القارئ من حيث المستوى الثقافي الجيد، خير من بقائها محتجبة. غير أننا نعد قراءنا في الأردن والعالم العربي أن نصدرها شهريا، موصولين الأسباب بأفضل المستويات الثقافية في الوقت الملائم، والفرصة المواتية. ونأمل ألا تكون بعيدة ولا عزيزة المنال."
استمرت "أفكار" في الصدور بشكل فصلي حتى آب من عام 1981، حيث بدأت تصدر بعد ذلك شهريا. وعلى الرغم من الصعوبات المالية التي واجهتها المجلة نتيجة لميزانية الوزارة المحدودة، استمرت المجلة في الصدور ولعبت دورا بارزا في الحياة الأدبية في الأردن من خلال نشر الكتابات الإبداعية والفكرية للكتّاب الأردنيين والعرب. ساعدت المجلة في نشر هذه الأعمال وانتشارها، وفتحت أمام الكتّاب آفاقا واسعة.
كما تُعتبر "أفكار" سجلا توثيقيا مهما للحركة الأدبية والفكرية في الأردن، حيث تابعت أخبار النشاطات الثقافية والفنية محليا وعربيا وعالميا. وأسهمت المجلة من خلال الترجمة والحوارات في تنشيط الحركة الثقافية والفنية في الأردن، وحققت شهرة واسعة للعديد من الكتاب في مختلف مجالات الإبداع والمعرفة. بعبارة أخرى، يمكن القول إن العديد من الكتاب قد تخرجوا في "مدرسة أفكار". كما تُعد المجلة نافذة الأردن على الآداب العالمية.
استمرت هيئات تحرير مجلة "أفكار" في النهوض بها ودفع عجلة الثقافة إلى الأمام، وركزت المجلة اهتمامها بشكل كبير على الشأن الأدبي والفكري. فنشرت قصائد لأعلام الشعر الأردني، بالإضافة إلى شعراء عرب بارزين مثل: حيدر محمود، إبراهيم نصرالله، يوسف عبد العزيز، يوسف أبو لوز، عبد الرحيم عمر، نبيلة الخطيب، زليخة أبوريشة، حبيب الزيودي، عبد الله رضوان، محمد لافي، حميد سعيد، عصام شرتح، وغيرهم العديد من الشعراء الذين برزوا وتميزوا في صفحات "أفكار". كما نشرت المجلة قصصا لكتّاب قصص أردنيين وعرب، مثل: "بسمة النسور، جميلة عمايرة، هند أبو الشعر، حنان بيروتي، مفلح العدوان، محمود الريماوي، إلياس فركوح وغيرهم"، بالإضافة إلى دراسات فكرية وأدبية لكتّاب أردنيين وعرب، مثل: د. ناصر الدين الأسد، د. إبراهيم خليل، د. يوسف بكار، د. نبيل حداد، د. سامح الرواشدة، د. صلاح جرار، د. عبد القادر الرباعي، د. علي الشرع، د. يحيى عبابنة، د. رفقة دودين، د. عباس عبد الحليم عباس، د. نضال الشمالي، د. محمد عبيد الله، د. زياد أبو لبن، د. صالح أبو أصبع، د. فهمي جدعان، د. حسن حنفي، سعيد بوعيطة، د. نجم عبد الله كاظم، د. عبد الجبار العلمي، وغيرهم.
في مجال الترجمة، نشرت "أفكار" ترجمات من اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والفارسية والتركية والصينية. كما خصصت المجلة ملفات لأعلام الفكر والأدب الأردنيين والعرب، مثل: د. إحسان عباس، د. ناصر الدين الأسد، د. محمود السمرة، د.يوسف بكار، د. نصرت عبد الرحمن، إبراهيم نصر الله، د. جميل علوش وغيرهم.
كما تناولت المجلة ملفات فكرية متنوعة مثل: "الثقافة والإصلاح"، "التحلل الأيديولوجي"، و"المثقف والمعارضة"، وغيرها من المواضيع الفكرية. بالإضافة إلى ذلك، نشرت المجلة متابعات للكتب الحديثة، وتغطيات إخبارية ثقافية محليا وعربيا وعالميا، فضلا عن مقالات متنوعة وحوارات مع الكتاب وأعلام الفكر العربي.
خلص أبو لبن إلى أن الألفية الثالثة قد أعادت للمجلة وهجها وأعادت تواصلها محليا وعربيا، على الرغم من العقبات التي واجهتها. كما أعادت الثقة بين المجلة والكتّاب والمثقفين. إن انتشار المجلة وتداولها بشكل ورقي وإلكتروني أحدث نقلة نوعية في السنوات الأخيرة. ويعود الفضل في ذلك إلى هيئات تحرير "أفكار" والأسماء البارزة في الأدب والفكر، وكذلك لرؤساء التحرير، مثل: مؤنس الرزاز، حيدر محمود، د. محمد المجالي، د. أحمد ماضي، د. زياد أبو لبن، د. يوسف ربابعة، د. غسان عبد الخالق، وصولا إلى الروائية سميحة خريس.