|
دعاء صفوري صدر مؤخراً للكاتب والمدرب الدولي في مجال التنمية البشرية ثائر عاشور، كتاب «لغة الجسد» عن دار الخليج للنشر والتوزيع. ورُبّما أول ما يتبادر إلى الذهن من العنوان، هو البعد الذي يلمسه القارئ، عادةً، بين ما تطرحه مواضيع التنمية البشرية المستوردة بإزاء الواقع العربي المُعاش. وهنا يكمن جوهر الاختلاف عند عاشور إذ يُعنى بالكتابة بما يتلاءم مع متطلبات حياتنا ومفاهيمنا، ناهيك عن إشاراتنا التي نرسلها عبر اللغة المنطوقة، وتلك اللغة المشار لها في كتابه: لغة الجسد. يتناول الكتاب في الفصل الأول: قراءات في لغة الجسد، ويمكن عده تمهيداً من شأنه التأصيل لهذه اللغة ففي بابه الأول: قراءة لغة الجسد والقرآن الكريم؛ يقرأ عاشور البشرى في وجوه أهل الجنة في قوله تعالى: «تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ»، والحزن العميق الذي انعكس على وجه سيدنا يعقوب عليه السلام في قوله تعالى: «وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ» كما يورد آيات أخرى ويعلق على مقاصدها، فيما يخدم لبنة كتابه وليكون القرآن مرجعه الأمثل عبر آياته الحكيمة. ثم يتوسع إلى: قراءة لغة الجسد والجريمة، قراءة لغة الجسد في التحقيقات الجنائية، العلاقة بين الجريمة ولغة الجسد، تحديات تحليل لغة الجسد، جرائم مشهورة ودور لغة الجسد في حلها، قراءة لغة الجسد والدراما، قراءة لغة الجسد والذكاء الاصطناعي(AI)، قراءة لغة الجسد والرياضة، قراءة لغة الجسد في التعليم والتعلم، قراءة لغة الجسد والإعلام، قراءة لغة الجسد والإعلانات، قراءة لغة جسد المتسوق، قراءة لغة الجسد في العمل، وقراءة لغة الجسد والحب. وحريٌّ بنا الإفصاح عن مقاصدنا في استعراض كافة أبواب الفصل الأول لِمَ يتوافق مع سعينا في التأكيد على جوهر الاختلاف عمّا اعتدنا عليه، وما يتبادر إلى الذهن من ظن، أن حقل التنمية البشرية بعيد عن ممارساتنا الحياتية اليومية، وإذ به حاضرٌ ولصيق بشتى المجالات كما سبق بيانها. وينتقل بنا عاشور إلى الجانب العملي من الكتاب، في فصوله المتتابعة ابتداءً من الفصل الثاني: مهارات تفسير الإشارات، حيث يستعين بالأمثلة والصور للتدليل على فكرته. ويستعرض مواقف من الحياة مثل التواجد بالمطار كونه المكان الأفضل لمراقبة جميع هيئات الانفعال العاطفي، ويظهر استناداً على المواقف آلية اكتساب المهارات في الحياة التي عدها «الامتحان الحقيقي»، يقول: «إن الحياة الواقعية توفر اختبارات رائعة لتفسير الإشارات، وإن فهمنا لهذه الإشارات لا يتم من خلال مختبرات تدرس حالات معينة بل من خلال عمليات وسُبُل إنسانية تسعى لفهم الإشارات». ولم يك الكاتب بمعزلٍ عن أهمية العيون ونظراتها، التي دأبا على ملاحظتها في بيت الشعر المشهور: «وإذا العُيونُ تَحدّثتْ بلُغاتِها/ قالتْ مَقالاً لم يَقُلْهُ خَطيبُ». فنجده يدرس تعابير الوجه ويذكر أن «لغة العيون لا تحتاج إلى قاموس بل هي مفهومة في كل أنحاء العالم» لشدة وضوحها ودقة رسائلها. بل وتصنيف نظراتها؛ نظرة قاتلة، نظرة حياد، ونظرة تدعو للاقتراب... ثم نلحظ تطوراً يطرأ على آلية عمل الكاتب، فيلجأ إلى عرض قصةٍ في حديثه عن العلاقات والظروف، وهو الفصل الثامن من الكتاب. ليخلص لنا بتفسيرات تعين على حسن التصرف، أو درء سوء الفهم الناجم عن ضبابية بعض العلاقات، فتسعى لغة الجسد لاستدراكه. مثاله: في غرفة ممتلئة بالناس، هل يمكنك أن تعرف المتزوجين من غير المتزوجين؟ من هم العشاق ومن هم أصحاب العلاقات السطحية؟ تظهر المشاحنة من خلال سلوك الأفراد فيعكس حضورهم نوعاً من العلاقة الرسمية، وإذا ما ابتسما مع بعضهما فإنه من المؤكد تكون الابتسامة بسيطة ولا يظهر فيها أي من الأسنان. ولن نراهم يلمسون بعضهم، فاللمس يوحي بحق التملك ويعني الثقة والأمان. وحركات اللمس والحاجة إلى اللمس من مميزات علاقات الحب. أما فصل الاختلافات الثقافية في لغة الجسد، فقد وصفته بفصل التنظير والمقارنة بين طرق الثقافات المختلفة، في التعاطي مع ذات السلوك الصادر عن الجسد، مثاله أولاً: التواصل البصري الذي يعتبر علامة على الثقة والاهتمام في الثقافات الغربية، ويعتبر في بعض الثقافات الآسيوية غير لائق أو يظهر قلة احترام إن امتد لفترة طويلة. وثانياً: المصافحة تعد وسيلة شائعة للتحية وإظهار الثقة، وتعزيز العلاقات المهنية في الثقافات الغربية، بينما تُفضل الانحناءة كتحية بدلاً من المصافحة، في الثقافات الآسيوية، وفي الدول الإسلامية قد يكون هناك تردد في المصافحة بين الجنسين، حيث يُفضل البعض عدم المصافحة بسبب الاعتبارات الدينية أو الثقافية. ومن سمات عاشور مسعاه إلى جمع كل المادة في مؤلفه لغة الجسد، مما تعلق بالجسد من: إشارات يفهمها اللبيبُ ووضعيات في الجلوس والوقوف على سبيل المثال لا الحصر، والاختلافات بين الرجل والمرأة، وتعدى ذلك إلى الملابس: «فالجاكيت المفتوح يبدي انفتاحاً على الآخرين»، بينما تمتاز ملابس الرؤساء باختيارها وفق بروتوكول يعزز صورة القوة والثقة، فالأمر ليس مسألة أناقة فقط. وعلى الرغم من أنه يتبنى الظن أكثر من الجزم في طرحه للأفكار، إلا أننا نوكل الأمر لِمَ سبق وأشرنا إليه في المقدمة، مما علق بأذهاننا من التنمية البشرية المستوردة، فيغلب الحكم باللاجدوى، كما وأن قراءة الإشارات متغيرة تبعاً للمواقف والأشخاص. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 14-02-2025 09:56 مساء
الزوار: 72 التعليقات: 0
|