يتميز العديد من الفنانين بمواهب متعددة، تمكّنهم من إبراز الكثير من أسرار جمال الخط العربي، لأنهم يرون أن بالإمكان تقديم التجديد في هذا الفن من دون الخروج عن أساليبه التقليدية، نظراً لما يتيحه من إمكانات تجريب للاحتمالات الإبداعية، التي تضفي على الأعمال الخطية رونقاً جمالياً آسراً، وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال أعمال الفنان الإندونيسي شهريان شاه سراج الدين.

* موهبة

* إتقان
صمم سراج الدين لوحته على هيئة قبّة مسجد، ونفذّها في تكوين تركيبي مُتقن، حتى إنه قام بضفر قمّتها بالحروف، وهو ما لم نتعوّد عليه في خطوط الثلث، إلا أنه يُظهر تأثير قدرته على الرسم، وانطلق في كتابة النص من يمين المستوى العلوي، حيث بدأ بكتابة «رَبَّنَا»، للإشارة إلى أن هذا الدعاء رجاء من الله جلّ في علاه، وكتب بجانبها «إِنَّنَا»، للإشارة إلى قرب هؤلاء المتقين من ربّهم، ثم كتب معهما «آمَنَّا» للإشارة إلى أن إيمان هؤلاء هو الذي أوصلهم إلى هذا القرب الذي يتضرّعون فيه إلى ربّهم، ثم انتقل إلى المستوى الثاني، وكتب في بدايته «فَاغْفِرْ» للدلالة على الغاية من الدعاء، وهي المغفرة، ثم ركّب عليها «لَنَا» لتأكيد أنهم يدعون لأنفسهم لأنهم آمنو بما جاءهم منه، ثم ركّب عليها أيضاً «ذُنُوبَنَا»، للإشارة إلى ما يرغبون في غفرانه، وكتب «وَقِنَا» في قلب الشكل، ليوحي بأنهم يريدون المغفرة التامة، أي مع الوقاية مما يكدّرها، وهو العذاب، حيث كتب «عَذَابَ» في نهاية المستوى الثاني، وقد ضفر ألفها مع ألف فاغفر كقمّة للقبّة، ليوحي بأن السلامة من العذاب مرهونة بمغرفة الله لكل الذنوب، ثم كتب «النَّارِ» في قاعدة التكوين الشكلي، ليؤكد أن الغاية القصوى من هذا الدعاء هي السلامة من نار جهنّم في كل الأحوال، والخلود في جنات النعيم.
ولا يغيب عن المشاهد ما ميز هذا العمل البديع من جماليات، تتجلّى في تكرار النونات المتماثلة والحروف الممدوة، وتموضع التزيينات وحركات التشكيل والنقاط، إضافة إلى الزخارف المحيطة بالتكوين، والإطار الخارجي، وتناسق الألوان، وكلها لمسات منحت العمل إشراقا نورانيا آسراً.

* إضاءة
ولد شهريان سراح الدين في في إندونيسيا سنة 1986م، وتخرج في كلية الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر في مصر سنة 2009، وحصل على الإجازة في خط الرقعة والخط الديواني والديواني الجلي من بلعيد حميدي في مصر، وسافر إلى تركيا بناء على توصية من أستاذه سنة 2010 لتعلم الخط، ليتدرب على خط الثلث والنسخ على يد حسن جلبي وفرهاد قورلو وممتاز سيشكين دوردو، وحصل على إجازته خلال الحفل الذي ينظمه مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية (إرسيكا)، ثم درس الماجستير في قسم الفنون الجميلة في جامعة السلطان محمد الفاتح التركية.