تأملات في كتاب «الإسلام بين الشرق والغرب» للمفكر علي عزت بيجوفتش
عرار:
صفاء الحطاب
هناك كتب نختارها لنقرأها، وأخرى تختارنا هي لسبب ما قد يصعب تحديده أو البحث فيه، وقع كتاب (الإسلام بين الشرق والغرب) لكاتبه المفكر الكبير رئيس البوسنة والهرسك السابق «علي عزت بيجوفتش بين يدي وأنا أركب سيارة أجرة في طريقي إلى عملي صباحا، كان الكتاب يستقر قبلي على المقعد الخلفي للسيارة، وكأنه يناديني، تأملته قليلا، وأخبرت السائق بوجود كتاب يخص راكب قبلي على ما يبدو، فاجأني بقوله بل هو لك، وأكمل بأن هذا الكتاب على الكرسي منذ أسبوع تقريبا، وكأنه بانتظار من يهتم لأمره، لم أقاوم فضولي، فتصفحته سريعا وإذا به عالم ثري من الأفكار، التي بدأت بالقفز منه إلى عقلي مباشرة، لقد قرأت ذلك الكتاب ثلاث مرات، وفي كل مرة كنت أرى الضوء ينبعث من صفحاته التي تجاوزت الأربعمائة بقليل، لينير زوايا مظلمة من تساؤلات وجودية وفلسفية تطرح نفسها على كل إنسان، ويحاول الكاتب المقاربة بين فكرة حرية الإنسان ومسؤولياته وبين الخلق الإلهي، وكيف أن الحرية لا يمكن أن تكون إلا بفعل الخلق، وأننا إذا سلمنا بحرية الإنسان ومسؤولياته عن أفعاله، فإننا نعترف صراحة أو ضمنا بوجود الله.، ويؤكد على أن الحرية هي جوهر الإنسان، وهي منحة من عند الله لا يجوز التفريط بها. وازن المؤلف في هذا الكتاب بين مفاهيم ملتبسة على كثيرين مثل الثقافة والحضارة، والروح والنفس، وطرح الإسلام ومفاهيمه من جوانب مهمة؛ منها فكرة ارتباط الإسلام بالحضارة والعلم كوحدة متكاملة لا يمكن تجزئتها، وبحسب الكاتب حيثما يكون تطبيق الإسلام الحقيقي في أي مجتمع، يكون بالضرورة قد تخلى ذلك المجتمع عن تخلفه. ويسلط الضوء على علاقة الإسلام بالغرب، ويرى المؤلف وهو ابن الحضارة الغربية، أن الصراع الحالي بين الإسلام والغرب ليس مجرد امتداد للصراع التقليدي والصدام الحضاري، وإنما يعود ذلك العداء إلى تجربة الغرب التاريخية مع الدين، وعجزه عن فهم طبيعة الإسلام المتميزة. رحم الله علي عزت بيجوفتش، ودام الكتاب مصدر تنوير ومتعة فكرية ومعرفية.