عرار:

عمان – ضمن مهرجان القراءة للجميع- مكتبة الأسرة الأردنية، التي تصدرها وزارة الثقافة، أعادت الوزارة طباعة كتاب “رحلتي مع الحياة والفن”، مذكرات الفنان التشكيلي الأردني الراحل رفيق اللحام، وقام بتحرير هذه المذكرات هاني الحوراني.
واللحام هو أحد مؤسسي رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين في أوائل خمسينيات القرن العشرين، وترأسها العام 1979، وكذلك من مؤسسي اتحاد الفنانين التشكيليين العرب العام 1971، ويعد من الأعلام الثقافية لمدينة عمّان، ويطلق عليه لقب “شيخ الفنانين الأردنيين”.
جاء الكتاب في ثمانية فصول، الأول يتحدث عن الجذور، فيما يتناول الفصل الثاني بدايات اللحام التي كانت في عمان، والثالث يتحدث عن معترك الوظيفة، والرابع بعنوان “ستون عاما من الرسم”، والفصل الخامس يتحدث عن مساهمات اللحام في الفنون التطبيقية، والسادس يتحدث عن تاريخ الحركة التشكيلية الأردنية، فيما يتوقف الفصل السابع عند محطات في بناء الحركة التشكيلية الأردنية، أما الفصل الثامن فيتحدث عن عالم الصحافة والأدب، وهي خواطر ومقالات وشعر، ثم شهادات نصوص ومقتطفات عن الفنان رفيق اللحام.
وتحت عنوان “كلمات في صاحب المذكرات”، كتب مجموعة من أصدقاء اللحام بعض الكلمات في حقه؛ حيث كتب دولة أحمد اللوزي، تقديما يقول فيه “عرفت تباشيره الفنية قبل أن ألتقي به، لأسعد بمعرفته عن كثب، ومن الصدف الكريمة أن صديقا عزيزا علي أهداني لوحة فنية من رسم رفيق اللحام، وما تزال تعيش في وجداني؛ حيث تمثل إطلالة رائعة تقف شامخة تلقي بنورها الساحر غربا وشرقا، تقرب بين مسجد قبة الصخرة، والمسجد الأقصى في القدس الشريف، وكان ذلك في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، وسرعان ما تم لقاء مع الفنان الأردني الشهير، في الديوان الملكي الهاشمي، وعرفت فيه قامة شامخة من الفن متعددة الجوانب والمواهب، حيث يستوحي فنه ويعيش ثراء فنيا، مسكونا بالتراث العربي الإسلامي والفن الإنساني الرفيع”.
ويضيف اللوزي “هذه لوحاته التشكيلية تتغنى بكنوز الخط العربي وتزدان بالآيات القرآنية، معنى ومضمونا ورؤى روحانية تسمو وتشرق بآفاق لا يحدها حدود، وينهال عليه التقدير من القيادة الهاشمية الأردنية والدول العربية، ويملأ صروح النهضة الأردنية بلغة فنية، بكل ما يعمر بقاع الأردن من تراث إسلامي وعربي خالد، تنطلق به منجزاته الفنية في عناوين تغطي آفاق الأردن الرحبة الميمونة، ويطالعنا بحشود من إنجازاته ومعارضه الفنية التي تؤرخ لهوية الأردن وروحه السمحة ورسالته الخالدة”.
ويقول اللوزي “إن الفنان اللحام يبقى فنانا كبيرا خالدا، فيما قدم وأعطى وخلد من رموز جامعاتنا وبلدياتنا ومنتدياتنا وما استلهم من تراثنا وأصالتنا وحداثتنا على امتداد ضفتي النهر الخالد، وها هي عمان والقدس الشريف ومدن الوطن وقُراه وأريافه ماثلة في أعماله الفنية، وإلى جانب المواهب المتعددة، التي حباها الله فنانا فذا”.
فيما كتب ميشيل حمارنة بعنوان “شيخ الفنانين الأردنيين”؛ حيث يقول “عملت مع اللحام لأكثر من نصف قرن من الزمان، لم أقف خلالها يوما لأقيم هذا الإنسان، الذي عبرنا معا ظروفا حياتية وعملية حلوة ومرة، حتى جاء اليوم الذي قررت فيه أمانة عمان، أن تفيه حقه بنشر هذا الكتاب فطلب إلي الكتابة عنه”.
ويشير الحمارنة إلى أن اللحام الذي يطلق عليه “شيخ الفنانين الأردنيين”، هو بحق شيخهم، فقد عرف الرسم هواية وعلما وثقافة، وأسهم في إرساء أهميته في الأردن عن طريق ممارسة العمل فيه طوال حياته، فرسم وأبدع وعلم أجيالا عديدة، وأقام عشرات المعارض الشخصية، وأسهم في فتح الأبواب أمام هذا الفن الرائع، حتى أصبح معروفا على المستويات الرسمية والشعبية والتعليمية.
ويقول الحمارنة “إن اللحام ترك بصمته في مسيرة الفن في الأردن عن طريق مساهمته فيها والاشتراك مع زملائه وطلابه في المعارض التي أقيمت منذ الخمسينيات من القرن الماضي وما يزال، لم يغمط حق أي زميل ولم يحسد أحدا ولم يقس في نقد أو إبداء رأي جارح تجاه أي فنان، وبالعكس، فقد كان عونا وسندا ورفيقا لكل منهم حتى من ناصبه العداء، يحتاج اللحام إلى ناقد فني ليقدمه للدارسين في هذا المضمار”.
كما يتحدث الحمارنة عن اللحام من ناحية العمل؛ حيث ترافقا سنوات عدة معا، وهو العمل في الحقل السياحي، فكما يقول الحمارنة “كان اللحام رفيقا طيبا لكل الذين عملوا معه، وكان يمثل الميزان الأدبي والإنساني في الحكم على الموظفين، من صغيرهم لكبيرهم، حتى أن جميع من كان له حاجة بأمر ما كان يلجا إلى اللحام، ويطرق بابه أينما كان، فهو لم يعرف معنى كلمة “لا”.
وتحت عنوان “رفيق اللحام، شيخ التشكيليين الأردنيين”، يشير هاني الحوارني، الى أنه عندما وصف أحد معارض اللحام التي أقيمت في التسعينيات، بأنه بمثابة “دعوة الشيخ إلى صباه”، لأنني أعرف أعماله منذ مطلع الستينيات، والواقع أن هذا الوصف ينطبق على اللحام في مختلف مراحله، فهو في سباق دائم مع الزمن، حاملا في صدره قلبا شبابا يرهق صاحبه ويحفزه على المزيد من التجارب الفنية ومحاولات إثبات شبابه وقدرته على مجاراة عصره.
ويضيف الحوارني “لقد عاصرت اللحام وأنا فتى، ولا أقول شابا، ثم عدت إليه في سن الكهولة؛ أي بعد سن الخمسين، ولا أرى أنه اختلف، في الجوهر، بين هاتين الحقبتين، ففي كليهما رأيت فيه تلك الطاقة العارمة التي تفيض عن صاحبها إلى من هم حوله، وتبث فيهم تلك الثقة بالنفس والجرأة على التجريب، وتدعوهم إلى عدم التوقف عند نقذ أو ملاحظة جارحة هناك، فالمهم هو أن تحاول، وأن تثبت أنك موجود”.
وعلى صعيد اللوحات، يشير الحوارني إلى أن اللحام لم يكن صاحب مدرسة محددة أو اتجاه فني واحد لا يشذ عنه إلا ما ندر، بل كان مجربا لا يكف عن التنقل بين المواضيع والأساليب والخامات، مخالفا بذلك المعتقدات السائدة عن حتمية التخصص أو التميز بأسلوب محدد أو التفرد، من المهد إلى اللحد، بموضوع واحد أو تقنية محددة، تعبيرا هن الاحتراف أو التماسا للتميز بأسلوبية واحدة، يعرف بها ولا يشذ عنها.
ويرى أن قراءة الأعمال الفنية التشكيلية للحام يجب أن تكون في إطار سياقها الموضوعي، التاريخي والثقافي الذي لا ينفصل عن المناخ الوطني والإقليمي العام، فهو من جيل مؤسس في بلد كان يتدرج في مجالات الثقافة والفنون، محاولا مجاراة البلدان العربية الأخرى التي سبقته في هذه المجالات، وفي هذا المناخ لا يوجد “طلب اجتماعي، على التخصص والتفرع في اتجاه أو أسلوب فني محدد”، فما يحدد أسلوبية الفنان في هذه المرحلة أو تلك هو التبدلات الجارية في المناخ العام، ومحاولات إثبات الذات في بيئة متغيرة، يحاول الفنانون والمبدعون التماس هويتهم الحضارية، وقدرتهم على مجاراة الحداثة وهضم الجديد في الأساليب الفنية والمواضيع العالمية، وفي هذا المناخ، لم يسع اللحام إلى حصر ذاته في زوايا غير محسومة من الاتجاهات الفنية، وترك نفسه طليقا ليجرب وينهل وينافس، دونما قيود صارمة على روحه وممارساته الفنية.
وتحت عنوان “أشهد أنني عشت”، كتب اللحام يقول “لست متأكدا إذا ما كنت سأقدم يوما على تدوين سيرة حياتي، لو لم تبادر مديرية الثقافة في أمانة عمان مشكورة، إلى اقتراح بنشر مذكراتي بين دفتي كتاب، ولا أخفي أن هذا العرض شغلني وأربكني لبعض الوقت، فقد كرمني النقاد والزملاء الفنانون التشكيليون بعشرات المقالات التي تتحدث عن أعمالي في مراحل مختلفة من عمري، وأجرى مثل هذا العدد من الصحفيين والصحفيات مقابلات مطولة معي، تناولت فيها كل مراحل رحلتي الفنية والحياتية، وأنعمت علي العديد من الهيئات الثقافية بعقد ورش عمل وندوات خاصة تناولت أعمالي ومساهماتي في الفن التشكيلي الأردني والعربي، وخصتني رابطة التشكيليين وأمانة عمان بكتاب مرجعي عن تجربتي الفنية”.