قفزت راكضة تلوح مودعة.. شعرها الناعم يموج في حلقات، وينسدل على كتفيها، تسلمه
يدها فيقبضها بحنان، هو في مثل عمرها تقريبا لكنها تفوقه حجما. لا يخفيان ارتياحهما
لبعضهما بعضا . 
طفقا يصولان الرصيف، يجريان.. يقفزان، يلعبان سعيدين، تسمع ضحكات الصغيرين المرحة تجوب عنان الفضاء. 
هناك عند آخر الشارع توجد ساحة يحيط بها سور ضخم بوابته واسعة من قضبان حديدية. تحفظ فيها سيارات (الخردة) المعطلة للبيع قطع غيار. يقوم عليها حارس في الثلاثين من عمره، أسنانه متفرقة صفراء، رث الثياب، أسخم تلوثه شحمة السيارات.

يطلبان برجاء مع باقي الأولاد أن يسمح لهم اللعب في الساحة.. يرونها كمدينة الملاهي بالنسبة لهم. لكن الشاب لم ير إلا دعد الجميلة، بعينيها الملونتين وشعرها المسدل، ترنو إليه تستعطفه، فانفرجت أساريره يرسم ابتسامة خبيثة صفراء، يشير إليها قائلا:
- سأسمح لتلك البنت فقط بالدخول.
- دعد لا.. لا تذهبي لوحدك، هتف كمال. 
رفضت بعناد، تذكرت وصية أمها عن أهمية المحافظة على نفسها، وأن لا تسمح لأي كان بخديعتها، بالإضافة إلى هذا هي لا ترغب بأن تفترق عن صديقها الحميم..
ردت لا تلين: - لا.. أريد كمال معي ..
أخيرا ونزولا عند رغبتها سمح الحارس لكمال وحده معها دون غيره.. 
لكن فور ولوجهما وإقفاله البوابة، قال يبغي تفريقهما لغرض في نفسه:
- إذهب يا كمال قد السيارة (البيك آب) الزرقاء هناك، وأنت دعد تعالي أريك السيارة الفارهة الجميلة التي لا تليق إلا بك يا أميرة. 

استجاب كمال بلا تردد، أما هي فتوجست خيفة من هذا الغريب.. هي تعلم تماما أنه لا يجوز البقاء معه بمفردها.
هتفت تنادي كمال: - كمال لا تبتعد عني.. سأبقى معك. 

لم يأبه بندائها لفرط حماسِهِ، يقفز من سيارة إلى أخرى، يسوقها.
- دعيه وشأنه.. سأعتني بك لا تخافي، فلنلعب معا بالمقعد الخلفي.. أنظري ما أجمل تلك السيارة السوداء الفارهة الضخمة كبيت كبير، هلمي إصعدي إليها... 

انصاعت أمام رغبتها الطفولية، هي محرومة من مثل هذه الرفاهية.. جلست حيث أراد، تحلق في عالم الوهم تتخيل نفسها بنت ذوات، تماما حسبما تشاهد في الأفلام مع أخيها، وياما تسللا خلسة إلى دار السينما. 

لم يدعها وشأنها.. صعد قربها يتلمس جسدها، يضع يده الوسخة يداعب شعرها، اقشعر بدنها، تنفلت منه بسرعة، وتهرب من السيارة عكرشة مذعورة حيث كمال... لكن الأخير كان جل اهتمامه اللعب فلم يبال بها، بل تركها إلى سيارة أخرى.

جاء الحارس وحل مكانه يرغب في ممارسة نزقه وطيشه.. شفتاه ترتجفان وجسده يرتعد، تدفعه الشهوة المجنونة. 
- تعالي يا حلوتي الصغيرة.. لن أؤذيك. أمسك رأسها، يدنو بوجهه منها حتى تكاد تختنق.. فتزكم أنفها رائحة أنفاسه العطنة برائحة التبغ الرخيص، يتملكها الاشمئزاز، وتتنازعها الريبة وتعلو نبضات قلبها رعبا، الرجل يبدو كالذئب يسيل لعابه، عيناه حمراوان دمويتان تقدحان شررا، من الواضح أنه ينوي بها شرا. 

تسايسه بلطف خائفة من رد فعل عنيفة منه وعقابه، تحاول مهادنته بطفولية.. وتخاطبه بهدوء:
- اسمعني يا عمي، إسمح لي بالمغادرة أرجوك.. لقد اكتفيت من اللعب حقا. 
لكنه مازال مدفوعا بالرغبة الماجنة، لا يحاول التحكم في نفسه، يفح بها قائلا:
- كلا لن أدعك، أنت ابقي هنا وليخرج كمال...

فجأة.. تسمع هرجا ومرجا من ناحية البوابة، فتهتف جذلة:
- أوه، هذا أخي...
نعم.. أخوها موجود خارج البوابة، يمسك القضبان الحديدية، يحاول إدخال رأسه من بينها، ينادي صائحا:
- أين أنت أيها الحارس الحقير.. أعرف أن أختي لديك أطلق سراحها حالا وإلا...
يرافقه كل أولاد الحي يتظاهرون وينادون.. على ما يبدو هم الذين أعلموه عن خبرها.
تنهدت بارتياح وفد انزاح حمل ثقيل عن كاهلها، إذ لم يجد الحارس بدا من أن يرضخ ويفلتها، معللا لأخيها بأنه فقط يريها السيارة من الداخل، مؤكدا إنه لم ينو بها شرا.

- ياه، ما أجمل الحرية، ولكم أحبك أخي.. قالت دعد، تحاول معانقته. 
لكنه غاضبا يهوي بكفه على صدغها، تضع يدها مكان الضربة مذهولة، تعاتبه بهدوء لا تريد أن تستفزه أكثر، قائلة: - آه لقد آلمتني... 

من شدة عزم الضربة على الأكيد أصابعه ستترك أثرا سيبقى عدة أيام أخر. 
- هذا لا شيء أيتها الغريرة لقد جعلتني أرتعد رعبا، لم يسمح لك ذلك الحقير إلا لأنه ينوي بك شرا، أنا أعرف دناءة نفسه وكان من الممكن أن تموتي.. وأردف:

- هيا إلى البيت عقابك الصارم هناك، سأخبر الأهل بفعلتك الشنعاء...
يسحبها من كلتي يديها.. تحاول مقاومته بشد نفسها إلى الوراء، تجلس القرفصاء لإعاقته لكنه أقوى وأكبر فيتمكن من سحلها على قدميها بسهولة.

في قرارة نفسها تعرف بأنها ستتحمل عقابها الشديد بشجاعة، ولربما تمرض بعدها.. وكل ذنبها رغبتها في اللعب، لكنها فرحة تتنسم عبق الإنفلات من ربقة هذا الذئب الآدمي المنحط، 
(ونفذت بجلدها).