|
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
"خيبة عيد في كلمات الشاعرة نعيمة المديوني"
موسى الشيخاني : كتبت الشاعرة نعيمة المديوني نصًا نثريًا مؤثّرًا يصوّر خيبة أمّ وحيدة في يوم عيد الأضحى، رسمت من خلاله مشهداً موجعًا عن الوحدة والنكران في زمن يُفترض أن يكون مليئًا بالحبّ واللمة العائلية. الأم تنتظر أبناءها بكلّ الشوق والتحضير، لكنهم يخذلونها برسالة مقتضبة تعتذر عن عدم الحضور.
بعين شاعرة تفيض بالحنين والانكسار، تنقل المديوني مشاعر الألم والعزلة، وتضع القارئ أمام تساؤلات أخلاقية وإنسانية حول معنى البرّ، والاحتفاء بالوالدين، ودفء العلاقات العائلية. النص دعوة للتأمل في ما فقدناه من قيم، وما يجب استعادته قبل أن تتحول الأعياد إلى مواعيد للخذلان.
* ملخص النص: في ليلة عيد الأضحى، جلست امرأة مسنّة تنتظر أبناءها وزوجاتهم، كما جرت العادة، ليشاركوها فرحة العيد وشواء لحم الأضحية. غير أن الساعات تمرّ ثقيلة، والمحمول صامت، والشارع موحش. يتسلل إليها شعور بالخذلان، إذ لا أحد يطرق الباب ولا صوت يدلّ على وصول الأحبّة. بعد انتظار طويل، يصلها اتصال يخبرها بعدم قدومهم، لأنهم سيحتفلون بمفردهم. تنهار الأم، يغمرها الحزن، وتخرج من المنزل تائهة، لا وجهة لها سوى الهروب من ألم الخيبة.
**النص كاملا :
صومعة المسجد ترسل آيات بيّنات من القرآن الكريم قبل حلول آذان صلاة المغرب.. جسلت في شرفة المنزل تنتظر زيارة آبنائها وزوجاتهم لشيّ لحم الخروف كما جرت عليه العادة يوم عيد الإضحى.. أرهقها الإنتظار وتلاعبت بها الظّنون.. كانت من حين الى آخر تطلّ على شاشة محمولها عساها تبشّر بقدومهم.. الشّاشة عاتمة لا حياة فيها.. جرس المنزل لا يسمع له صوت.. الشّوارع خلت من المارة في مثل هذا الوقت المتأخّر نسبيّا.. انطلقت الأفراح بالعيد منذ صباح اليوم.. آنطلق صوت التّكبير وعلت زغردة بعض النّسوة آحتفاء بذبح الضّحايا.. وآنطلقت معها روائح البخور تعمّ الأرجاء فأضافت حميميّة خاصة بهذا العيد المبارك.. بمرور السّاعات الأولى لهذا اليوم علا في السّماء دخان شيّ اللّحوم.. وزاد هرج ومرج الأطفال المنبعث من دور الجيران رونقا خاصا بالمكان.. أجالت بصرها هنا وهناك.. صمت ثقيل يبسط يديه.. وكأنّ هذا الفضاء ماشهد يوما جلبة وصراخا وعبثا.. أرهقها الإنتظار.. تململت في جلستها.. ترغب في مغادرة الشّرفة.. هاجس داخلها يهمس أنّهم لن يأتوا.. كيف لهم أن يفعلوا ذلك وأن لا يقاسمونها فرحة العيد.. حتما سيأتون.. هي على يقين من ذلك.. لن يتركوها تلوك قهرها وتجترّ غصّتها في مثل هذه المناسبة.. لن يقطعوا عليها فرحتها.. وهل يحلو العيد دون فلذة فؤادها.. دون جلبة.. دون صخب.. دون آبتسامات تعلو وجهها الشّاحب ووجوههم المنيرة؟.. الوقت يمرّ بطيئا.. مملّا.. الشّمس تلملم أشعّتها وتستعد للعودة الى عرينها.. السّماء تستعدّ لآرتداء منامتها لتأخذ قسطا من الرّاحة بعد يوم صاخب مليء بالحركة والنّشاط.. ما من متّصل.. ما من أحد يسعى الى مقاسمتها فرحة العيد.. ما من أحد يفكّر في ألمها.. وكأنّها ما أنجبت.. ما سهرت اللّيالي وما ضحّت براحتها لتسعد أبناءها.. كأنّها ما ربّت وما وهبت من عمرها لتراهم في أحسن المراتب.. كيف ينكرون عليها بعض السّاعات وقد وهبتهم عمرا كاملا.. كيف يتجاهلون سعادتها وقد ضحّت بأحلى سنوات العمر لأجلهم.. رافقها الأسى وعلت محيّاها الكآبة.. شعرت بفراغ مقيت يسكنها.. لا ماضي.. لا حاضر ولا مستقبل مبشّر.. راودها الحزن.. تسارع وجيف فؤادها.. أظلم الكون حولها.. تسارعت العبرات تغسل وجهها.. أزاحت طاولة مستديرة من أمامها وضعت عليها أطباقا مختلفة الأشكال ممتلئة بأعذب أنواع المرطّبات آحتفاء بمقدمهم.. لم تمسّها يد ولم تلتهمها أفواه.. ولجت الغرفة الغارقة في الصّمت.. جدرانها البيضاء غاب بياضها ليحلّ محلّها سواد مقيت.. جلست على أريكة وقد لفّها حزن قاتل.. لم يطل مكوثها هناك حتّى رنّ جرس محمولها.. هرعت خافقة الفؤاد.. هاهم قادمون.. أو ربّما نسوا مفتاح المنزل وسيطلبون منها فتحه.. داست على زرّ محمولها ليأتيها صوت ناعم رقيق:" لا تنتظرينا.. أعددنا ما يلزمنا وسنتناول العشاء هنا.. ليلة سعيدة.. كوني بخير".. سقط المحمول من يدها.. مادت الأرض تحت رجليها.. لمن أعددت كلّ هذا؟ كيف تسوّل لهم أنفسهم إهمالي؟ هل آتفقوا على زرع الشّجن في قلبي؟.. آغتسل وجهها دموعا.. تحاملت على أحزانها وغادرت المنزل منتحبة.. لا تعرف لها وجهة.. فقط ترغب في الهروب.. الهروب من خيبتها.. من الألم الذي ينهش روحها.. داست على البنزين وسارت هائمة وقد آرتدت شوارع المدينة حلّة سوداء.. وقد آختلطت الظّلمة بالعبرات..
نعيمة المديوني الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الأحد 08-06-2025 08:36 مساء الزوار: 930
التعليقات: 0
|