فتيات وربات بيوت، وأمهات عملن بجد لصقل حرفهن، وإتقانها، بما يملكنه من حب للعمل والعطاء، لإنتاج منتج متقن، قادر على النهوض بهن اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً.

فالحرف اليدوية المتميزة بأشكالها وأنواعها، ودقة صنعها، والمأكولات والحلويات التي صُنعت بأبهى حلة وأشهى مذاق، ما هي إلا عنوان لقصص نجاح سيدات تحدين كافة الظروف وقهرنها، في مركز الكرمة، التابع لأحد المشاريع التنموية في مؤسسة نهر الأردن.
في مركز الكرمة الذي يقع في منطقة جبل النظيف قضت أم علاء 15 سنة من عمرها وهي تعمل بجد واجتهاد حتى توفر حياة كريمة لعائلتها.
فبعملها كمشرفة مطبخ داخل المركز، وبوصفة "المعمول" المميزة الذي تصنعه على طريقتها الخاصة، استطاعت أم علاء أن تكون المعيلة الوحيدة لأسرتها.
تقول أم علاء إن المطبخ صار يتطور يوما بعد يوم، بعد أن قامت جلالة الملكة رانيا بزيارته، والإشادة بالعمل داخل المطبخ، وهو ما جعلها والسيدات المستفيدات يعملن بجد متواصل، حتى استطعن أن يتقن أنواعا من الحلويات، حتى الغريبة منها، وعلى مستوى عال من الجودة.
ومن هذه الأنواع "الكوكيز" و"الماكارونز"، بنكهاتها الست المختلفة، بالإضافة إلى المعمول، وهي الحلويات التي استطعن أن يهيئنها بأفضل الطرق، بعد تجريب أكثر من وصفة.
إلى ذلك، يقمن بإعداد طبخات مختلفة، مثل؛ المسخن، والششبرك، والمفتول، والكبسة، والمعجنات، ولا يكتفين بإعدادها بل يحرصن أيضا على توصيلها إلى من يطلبها، مع مراعاة الأسلوب المنزلي الأسري في إعداد الأكل، والتركيز على النوعية، بما يرضي كل من يرغب في الحصول عليها.
وإلى جانب فرص العمل الدائمة والمؤقتة التي يوفرها المطبخ لسيدات منطقة جبل النظيف، فهو يعمل على عقد دورات تدريبية للسيدات، حيث قام المركز لحد الآن بتدريب 210 سيدات، بمعدل 10 دورات خلال العام الواحد، تستمر كل دورة منها عشرة أيام، بالتعاون مع منظمة الإغاثة الدولية.
 وتستطيع السيدات من خلال الدورات، وبمساعدة اختصاصية التغذية، بتول السعود، التعرف على كيفية استخدام أدوات المطبخ، والمحافظة على تأمين أسباب الأمان داخل المطبخ، والحفاظ على محتوياته، ومعرفة تكلفة المواد الضرورية لإعداد المأكولات والحلويات المختلفة، وكلفة كل أكلة بعد إعدادها، وتحديد نسبة الربح، وأفضل أماكن ترويجها.
وإلى جانب القسم الذي تقوم فيه السيدات بإعداد مأكولات وحلويات، يشتمل المركز أيضا على قسم خاص للخياطة والتطريز ومهارات القص، لإنجاز مطرزات تقليدية بطابع عصري.
أفنان برغش (21 عاما) واحدة من الفتيات اللواتي استطعن من خلال حركة الأصابع البارعة، بالرغم من عدم قدرتها على السمع والكلام، أن تتقن مهارة "الترسيم" (الطارة) بحرفية عالية، وإبداع متقن.
فقد عبّرت أفنان بطريقتها الخاصة عن مدى سعادتها بهذا العمل، وعن قدرتها على الإنجاز، وفرحتها بالراتب الذي تجنيه من خلال عملها، تساعد به والديها وإخوتها الصغار. 
وقد أشاد المحيطون بها وأثنوا على مدى تقدمها وتطورها، يوما بعد يوم، وعلى ما حققته من قدرة على التواصل مع الفتيات بشكل كبير، بعد أن كان هذا التواصل معدوما لديها.
رولا بركات، سيدة أخرى تعمل في قسم "الرسم والترسيم"، دخلت المركز قبل 5 أعوام، وتصف المركز بـ "بيتها الثاني" لما يملأ المكان من جو حميمي عائلي، إذ تقول إنها في هذا المكان استطاعت أن تصقل هوايتها، بفضل جودة المكان، وما هو متاح فيه من أسباب التعلم، ومن خلال حبها للعمل، وتدرّبها المستمر الذي استطاعت به أن تتقن عملها الذي ما انفكت تبدع به. 
وتضيف أنها صارت الآن، بفضل المركز، امرأة مستقلة ماديا واقتصاديا، وهو ما عاد بالنفع على أسرتها كاملة.
أما ليلى زعاترة، التي قضت داخل المركز 12 عاماً، والتي تعمل في قسم الخياطة، فهي تقول إنها بعد أن كانت تعاني من ظروف مالية صعبة جداً، استطاعت الآن أن تفتح مشروعا صغيرا لابنها، وهو عبارة عن محل لبيع المعجنات، بفضل العائد المالي الذي جنته في خلال فترة عملها في المركز.
إلى جانب أنها باتت الآن المعيلة الوحيدة لأسرتها، لعدم قدرة زوجها على العمل.
مديرة مركز الكرمة، أمل الفتياني، تقول إن أكثر ما يميز مؤسسة نهر الأردن أنها تقوم بإنشاء مشاريع في مناطق يكون سكانها في حاجة إلى مثل تلك المشاريع، وبذلك تعمل على رفع المستوى المعيشي للأفراد، وتحافظ على الهوية التراثية للمنتجات التي تنجزها.
وتضيف أن هناك الكثير من سيدات المنطقة اللواتي يملكن مهارات، لكنها ليست بالإتقان اللازم، ولذلك بدأ المركز يهتم بهذه المهارات، فيدربها ويوفر لها المواد الأولية التي تتيح للمرأة بأن تعمل وتستفيد، وفي الوقت ذاته لا يؤثر ذلك على بيتها وأبنائها.
وتشير الفتياني إلى أن الهدف الرئيسي من مشروع هذا المركز هو رفع مستوى دخل الأسرة، إلى جانب المحافظة على مستوى المنتجات، وتدريب النساء على مهارات جديدة، مبينةً أن المركز استطاع تدريب 290 سيدة على التطريز ومهارات القص والخياطة.
إلى جانب أن المركز يضم 30 سيدة موظفة، ومتعاقدة، بالإضافة إلى 250 سيدة يتعاونّ مع المركز من بيوتهن، بينت الفتياني أنه في العام 2012 استفادت نحو 40 سيدة في المطبخ من مبلغ 7850 دينارا جنينها في مواسم الأعياد، وعلى مدار العام، بينما استفادت في المشغل نحو 350 سيدة من حوالي 35 ألف دينار، حصلن عليها من عملهن في الأشغال اليدوية.