ذاق الإنسان مرارة الحزن والوجع عبر الأزمان والعصور، وعبَّر عنها بأشكال مختلفة منها الأشعار التي وصلتنا من الحضارات السومرية والبابلية تبكي الآله الشاب دموزي (تموز) بلسان زوجته الآله أنانا، وكذلك الأشعار الكنعانية التي تبكي موت الآله بعل، وعند قراءتنا للشعر الجاهلي لا نعدم هذه الظاهرة، كما لا نعدمها في الشعر الحديث.
والمبدع فيعيش مأساته ومأساة الآخرين، ويتألم حزنا لأسباب شخصية تخصه وحده، وأخرى تخص مجتمعه ومجتمع الإنسانية بشكل عام؛ لأنه لا يستطيع أن يعيش بمعزل عن آلام الآخرين.  
وهكذا جاء ديوان الشاعرة رفعة يونس (مغناة الليلك) تتزاحم فيه الأحزان والأوجاع، منها الشخصية ومنها ما يخص الإنسانية. وتسأل الشاعرة من أين يأتي كل هذا الحزن وهي العالمة بدواعيه وأسبابه فتقول: في عينيكَ/ طوفان حزنٍ.. يغرقني/ من أين يجيء الحزن لعينيك/ يا بهجة المقل؟ ص87 
 ولأن الأحزان والهموم تسيطر على الحالة النفسية للشاعرة تستهل ديوانها بقصيدة (صحوة) بسؤال استنكاري مغمس بالوجع والألم من الضياع الناتج عن فقدان البوصلة العربية: لِمَ يعلو في الفم/ موجٌ من ملحٍ؟؟؟/ تعلو تلال من رملٍ.../وجبالٍ من وهم... بيننا!/ هل تاهت عن شمس الدرب خطواتنا؟ ص7 
هذا الضياع الذي حوَّل كل الأشياء الجميلة إلى ملوحة في الفم، وجعل بين الأشقاء تلال رملية وجبال مانعة، فتباعدت الخطوات بينهم.. 
 وتؤكد الشاعرة هذا الحزن الموجع للقلب عندما يمد البحر ذراعيه نحو المنافي ولا يجد من يرد إليه النوارس،/لا شيء يدمي القلب/كحزن البحر!!! /يمد ذراعيه .. نحو المنافي /وغربة هذا الليل/ وظلمة هذا الأفق/ ولا شيء إلا غمام / سراب يلوح/ يفجر حسرة هذا القلب ص14
إنها ترسم صورة تشخيصية للبحر، وتجعله إنساناً حزينا على من رحلوا، يعكس حزن الشاعرة وقلقها ويصبح البحر معادلا موضوعيا لها أو لأبناء شعبها. 
وجدت دواعي الحزن عند الشاعرة تعود إلى:
عشق الوطن:
إن افتقاد الشاعرة للأمان وشعورها بالاغتراب، هيّج في نفسيتها المتعبة الحنين إلى (سلواد) في اشتياقاتها؛ للكروم، ولدخان الطابون وللسنابل ....،كل هذه الاشتياقات أشعلت نيران الحزن فتقول: اشتاق/ للحقول ... لورد الدار / ينادي من هجروها/ مضوا في الغياب / وظلت على عتبات... حكاياتهم / قنديلا يشع...على دربه. ص25   
وأضافت إلى حزنها الشخصي والوطني، الهم القومي، كيف لا وهي ترى تمزق الوطن العربي وتشهدت الانكساراته المتتالية التي ألمت به بعد احتلال فلسطين، واتفاقيات السلام وانهيار المشروع القومي العربي الذي كان أمل الأمة، ولذلك جاء حزن الشاعرة حزنا إنسانيا جمعياً عندما تعلن عن اشتياقها للشام التي لوثتها أقدام الغزاة، فولّدت فيها صرخة الحزن الناتج عن القلق فتخاطبها: شام / نرجسة القلب أنت/ صلاة الروح وماء العين/ آن لك الآن.../ أن تلفظي عم سمائك/ طير السواد/ وعن طهر مائك/ هذا الأسن!!! ص39  
وتصبح الأم المعادل الموضوعي للوطن من دواعي الحزن فتحس بالألم والحسرة والضياع عندما ابتعدت عن الوطن فتقول في قصيدة أمي: لم تاهت في ملكوت الشقاء/ خطانا/ حين ابتعدنا عن وجهك/ عن طهره ؟؟؟!! ص24 
ضياع العمر: 
عندما يتسرب العمر من بين الأصابع دون أن تحقق الشاعرة أحلامها، تستنكر على هذا العمر أن يهرب حاملا كل سلال الصبا فتقول: ما بال العمر يمر/ ويهرب/ يحمل كل سلال الصبا/ وغلال الربيع عن الوجنات/ ويمضي مبتعدا.ص107   
ومع ضياع العمر لم يتبق إلا رائحة الذكريات والأحلام، وكتل من التعب وركام من الوهم، « ما تبقى من العمر/ شيء من عبق الذكريات/ وسرب من الأحلام../ توشت في الذاكرة/ ......../ ما تبقى من العمر غيم من تعب/ وركام من همَ».ص57 
اليأس وفقدان الأمل:
ومن دواعي الحزن عند الشاعرة اليأس وفقدان الأمل ، عندما لا تسمع جوابا لنداء أو صرخات فتقول: وأنت المسجّى.. كحجم العذاب/ وذل العبور/ وسبحة ذاك الصبور/ ولا شيء يشبهك الآن إلا../دموع الثكالى/ وآه الجريح/ أنين الأسير/ دماء الشهيد/ تنادي.. تنادي:/ولا من مجيب!!!. ص78  
الموت والشهادة:
من الطبيعي أن يشكل الموت الحزن صدمة عند الإنسان، هذه الصدمة دفعت الشاعرة إلى توجيه نداء للموت عندما خطف الشاعر سميح القاسم أن يتمهل لأننا نعشق شعره المقاوم، ومن بعده نصبح يتامى هذا الشعر  فقالت: قل للموت أن يتمهل/ فالراحل يا موت... غالٍ علينا/ على أرضه/ ........./ أخبره إنا يتامى/ من غيره. ص65 
وإذا كانت الشاعرة قد ذكرت بعض أسماء الشهداء في قصائدها فإنها ترمز إلى آلاف الذين استشهدوا في سبيل الوطن، وتصور بشاعة حقد المحتل عندما «صوّبوا حقدهم نحوه/ فهوي... بركة من دم/ قد أحاطت به/ حين اتَّسعت أغرقت أسوارا/ حدودا... مسافات بيننا/ رسمت وطنا رائعا». ص67 
وتستنكر الصمت السلبي العربي لعمليات القتل في الأرض المحتلة، فما هزتهم دموع الثكالى، وأنين الأسرى، وتأوهات الجريح تنادي فلا تسمع مجيب، « وأنت المسجى.. كجحيم العذاب/ وذل العبور/ وسبحة ذاك الصبور/ ولا شيء يشبهك الآن إلا.../ دموع الثكالى/ وآه الجريح/ وأنين الأسير/ دماء الشهداء تنادي/.. تنادي:/ ولا مجيب».ص77  
عبرت الشاعرة عن حزنها من خلال تقنيات فنية منها:  
عنوان الديوان وعناوين القصائد: 
استخدمت الشاعر في ديوانها عناوين تحمل دلالة إيحائية مكثفة تكشف عن كميات الحزن داخل القصيدة الواحدة، وقد مهدت لهذا الحزن من خلال عنوان الديوان(مغناة الليلك) وهو النافذة الأولى التي تفوح منها رائحة الحزن ولوحة الغلاف التي جاءت في النصف الأعلى مزينة بزهر الليلك الأرجواني الذي يرمز للحب كما يرمز للحزن، ولذلك اختارت الشاعرة اللون الأرجواني على اللون الأبيض. أما النصف الأسفل من اللوحة فقد جاء باللون الأبيض رسمت فيه العنوان باللون الأسود الغامق، للدلالة على أن الحياة رغم ما فيها من القتام والحزن إلا أنها لا تخلو من الأمل بدلالة اللون الأبيض. 
 وإذا نظرنا إلى عناوين القصائد وجدناها سجلا غارقا في بحار الحزن، تكشف حجم معاناة الشاعرة، من هذه العناوين ( ذاكرة البحر، تهاليل لغيابهم، نداء الموت، حناء الدم1،...) التي جاءت نصا موازيا لنص القصيدة كما قال (جيرارجنيت). 
الألفاظ والتراكيب:
أحسنت الشاعرة اختيار مجموعة من المفردات الدالة على الحزن، منها ما جاء بشكل مباشر، وبعضها يحمل الدلالة بشكل غير مباشر، جاءت ملائمة للمعاني المعبرة عن الحزن، مثل (الحزن والأشجان، الحنين والاشتياق، الموت والرحيل....). وكان الاشتياق والجراح والحزن والبكاء والدموع والموت الأكثر حضورا.
وإذا كانت المفردة مغمسة بالحزن فإن بعض التراكيب جاءت مشرّبة بالحزن والوجع معا، سأكتفي ببعض الأمثلة:( عطش الرمل، أرجوان الغروب، ضباب الحزن، صقيع المسافة، دروب الخوف،....) 
التكرار:
جاء التكرار يكشف عن الحالة النفسية والشعورية عند الشاعرة ويعكس أهمية المضمون كما جاء في عناوين قصائدها( حناء الدم1 وحناء الدم2 وحناء الدم3 ومن أعراس الدم). 
وفي قصيدة (وردة الروح) تكرر الشاعر اسم مدينة حيفا خمس مرات راسمة صورا شعرية للمدينة تقطر ألما وحسرة فتقول: حيفا/  كم بكت قبرات المواسم/ حين افترقنا ... وقلنا وداعاً. وعندما ترتفع وتيرة الحزن بتكرار (حيفا) تقول: لم ظل البحر يصلي/ تصلي موجاته/ عند أقدامك الطاهرة. ص28  
الأساليب البلاغية: 
كما جاء الحزن من خلال أساليب الاستفهام والنفي خاصة الاستفهام التعجبي مثل: لِمَ يعلو في الفم/ موج من الملح؟؟؟ تعلو تلال من رمل... وجبال من وهم ... بيننا؟؟!! ص7 
لم تاهت في ملكوت الشقاء/ خطانا/ حين ابتعدنا عن وجهك../ عن طهره ؟؟؟!! ص43 
ألم نشعر بالألم والحسرة ونحن نقرأ هذه السطور الشعرية؟
استخدمت الشاعرة أسلوب النفي للأشياء والمعاني الإيجابية، فقالت: 
لا حادي للعيس ... نتبعه / لا نجم سيشرق في حلكة العمر!! ص7 
فهي ترى أن المسيرة بحاجة لقائد يسير بالمقدمة ليتبعه الجميع، وعندما فقدنا هذا القائد تهنا في الصحراء، ولا نجم نستهدي به وسط الظلام، ولا دلائل على احتمال ظهوره، وهذا سبب من أسباب حزن الشاعرة.   
الصورة الشعرية: 
 من المعروف أن الصورة الشعرية من أهم أدوات الشاعر التي تساعد في نقل المشاعر والأحاسيس، وقد حفل ديوان (مغناة الليلك) بالصور المركبة تجسد حالة الحزن التي تعيشها الشاعرة، من هذه الصور رسمت صورة تشخيصية لساحة الدار وجعلتها أنسانا حزينا على عينيها ضباب الحزن وعلى شفتيها غبار الزمن بسبب البعاد والغياب، فتقرر الشاعرة أن تمر عليها وتمسح الحزن، وتعيد لها بهجتها:  سأمر على ساحة الدار/ أمسح عن عينيها ضباب الحزن/ وعن شفتيها.. غبار الزمان/ وأهمس في الأذنين: /تعاويذ عشق. ص19 
وترى الخلاص في عيون الأطفال وتحثهم على الصبر والثبات عندما تخاطب ملك طفلة الشهيدة مهدية حماد تقول: لا تبكي/ دمعك غال علينا/ يا وردا في الحقول/ ونهر القوافي/ ونبض القلب.. ورحيق الحروف/ ........./ ولا تحزني/ أنت الأمل الآتي/ من عبير الأرض/ من رحمها. ص133 
وعندما تخاطب الشاعرة عامل النظافة في الوطن بقصيدة (أمل)، فإنها لا تقصده بالمعنى الحقيقي، ولا تستطيع الانسلاخ عن المجتمع وظروفه المؤلمة، من فساد القيم الاجتماعية، وظهور الرشوة ومحسوبية التي سببت الفقر والبطالة والجوع تملأ المكان، ولا يمكن أن يستقيم الوطن إلا بنظافته ممن تسبب بهذا الوجع فقالت: ماذا تكنس الآن .. يا سيدي ؟؟؟/ والدروب التي تعتليها../ خطاك.../ تعيث بها يد هذا الغبار/ ص 124 
وبعد، فإن الشاعرة لم تنسلخ عن ذاتها أو مجتمعها المصاب بالتمزق والخراب فتنوعت أحزانها بين الإحساس بالكآبة واليأس والقلق وبين الشعور بالغربة، والوحدة، عبّرت عنه بأشكال مختلفة.