بين مخاطر كورونا وتدارك الدراسة.. «التعلم عن بعد» قضية شائكة وتجربة مليئة بالتحديات
عمان- ياسمين الخطيب (أخصائية تربية خاصة)
«#لا_للتعلم_عن_بعد» .. هاشتاج ضجت به مواقع التواصل الاجتماعي، الآونة الأخيرة، وحمل في طياته صيحات وويلات أهالي طلاب لم يتسن لأبنائهم التعلم حتى عن بعد. فالتعلم عن بعد ليس للجميع، بل هو حكر لفئة معينة، حتى التعليم لم يسلم من الطبقية وتكافؤ الفرص. الوجع الذي أصاب قلوب أطفالنا لن يشفيه الزمن إلا بعودتهم لمقاعدهم الدراسية التي باتت مرتبطة بالوضع الوبائي في المملكة. «ماما الإنترنت ضعيف ولا استطيع مشاهدة الفيديوهات»، العبارة الأكثر انتشارا بين الطلاب في الآونة الأخيرة في المنازل جراء قرار التعلم عن بعد للطلبة بعد ان ساءت الحالة الوبائية في الاردن.
قرار التعلم بعد - من وجهة نظري – أتخذ على عجل دون أن يراعي الفروقات بين طبقات المجتمع المحلي وظروفه الاقتصادية، فأصبح الوالدان يحلمان باقتناء بطاقة الإنترنت عوضا عن رغيف الخبز الذي قد يدفع بعض الأسر الاستغناء عن قوت يومها مقابل أن تؤمن الإنترنت لأبنائها ليتمكنوا من مشاهدة دروسهم، وقد تضطر بعض الأسر لشراء اكثر من جهاز حاسوب ليتسنى لجميع أبنائهم مشاهدة دروسهم، فالتعليم الآن أصبح واجبا بعد أن كان من أبسط الحقوق التي يحصل عليها الفرد. مشكلات عديدة وتحديات جمة تواجه الطلبة والاهالي معا اهمها فقدان الترابط والتفاعل الاجتماعي بين الطلبة، واضعاف القدرة على التواصل الاجتماعي وبناء صداقات. وافتقاد الأطفال للجزء التعليمي العملي الذي يتفاعل من خلاله بشكل واقعي ويقوم بدور قيمي لا بديل له، كما يؤدي كثرة التعرض للضوء الأزرق المنبعث من شاشات الأجهزة، لارتفاع مستويات القلق وقلة النوم، وفرط الحركة ونقص الانتباه، والاكتئاب، وبطء تطور اللغة، وضعف الإبصار. وفي نظرة سريعة على مواقع التواصل الاجتماعي نلاحظ الكم الهائل من الانتقادات وعدم الرضا والاستياء العارم من قبل اهالي الطلبة جراء قرارات التعلم عن بعد وابعاد ابنائهم عن المدارس، حيث نجد الكثير من الاهالي يأسفون على المستوى الذي وصل إليه التعليم في الاردن بعد أن كان من أقوى الدول في التعليم وذو هيبة بين الدول المجاورة. مطالبات ورسائل عديدة وجهها الاهالي للمسؤولين عن العملية التعليمية في الاردن لإعادة النظر في تحويل التعلم عن بعد قبل فوات الأوان، مؤكدين ان الطلبة أصبحوا اليوم أسيري الشوارع والازقة، ناهيك عن ادمنانهم على الاجهزة الالكترونية التي وجدوا فيها ملاذهم (وانيسهم) بعد ان تخلت عنهم مدارسهم. إحدى الأمهات قالت لي «بينما أنا بطريقي لغرفة ابني لاحضر له «ساندويش وعصير» سمعته يخاطب المعلمة عبر الشاشة ويقول لها لم افهم ممكن تعيدي الشرح» في الوقت ذاته كانت المعلمة تسأل وتجيب وحدها على افتراض أنها تخاطب الطلاب. لم يدرك بعمره الصغير ما يحدث حوله ولم يدرك حجم المعاناة ومرارة حالنا اليوم، كيف لطفل لم يمسك القلم أن يتلقى تعليمه عن بعد، كيف له أن يقرأ دون أن يجمع المقاطع التي كتبت على بطاقات ليكون كلمة، من دون أن يحلل الكلمات على السبورة من دون أن يخطئ ومن ثم تقوم المعلمة بتصويب الخطأ .. قد يشاهد البعض فيديوهات مسجلة تبث عبر منصات إلكترونية، وهناك من يتلقى المعلومة مباشرة من معلمته يراها وتراه تخاطبه وتناقشه يسمعها وتسمعه، قد يكون الثاني محظوظا أكثر لكن كليهما في خطر وضمن نفس الحلقة. ختاما؛ أطفالنا اليوم باتوا في خطر كبير، ومعظمهم يعملون كباعة متجولين، وحين تسأل أحدهم لماذا تعمل بهذه السن ولا تتلقى تعليمك؟ يجيب: ان دوري في المشاهدة لم يأتِ بعد نظرا لعدم توافر اجهزة اخرى تكفي جميع الاخوة في البيت، تلزمني اجابته الصمت وقلبي يتقطع وبداخلي نار لا تنطفئ من شدة الحرقة التي تشعل صدري، فحال طلابنا تُبكي، فهم ضحية هذه الجائحة.