|
|
«القيثارة والعصفور» دراسة لشعر مصلح النجار الموجّه إلى الأطفال لولاء أبازيد
رشا غانم * يستشعر القرّاء اليوم نوعا من الرتوب في مجال دراسات أدب الأطفال على المستوى العربي، وبتتبع المؤلفات والدراسات التي بحثت في هذا المضمار، نجد أن الإضافات العلمية الجديدة، المرجوّة من الدراسات لم تعد كثيرة منذ عقود، إذ سقطت في دائرة مفرغة، لا تتجاوز النظرة التاريخية التقليدية، التي تضمنتها الكتب المبكّرة، من عُروض ومعالجات تقليدية للأنواع الأدبية الموجّهة إلى الأطفال. وأما الدراسات التطبيقية، لهذا النوع الأدبي، فإن الساحة النقدية تفتقر إلى تتبّع جديد الطرح، وتطوّر المنجز، وحداثة النوع. ذلك أن حداثة الأدب هي انعكاس لحداثة الحياة والمجتمع، فلا بد من دراسات جديدة، تدرس الإنتاج الأدبي المتجدد المساير للحياة وتطورها، وتفحص إلى أي مدى استجاب هذا النوع الأدبي، إلى حداثة اليوم، وإلى أي مدى تطور أديب الأطفال، وشاعرهم، استجابة لظروف الحياة الراهنة. وقد صدر عن دار مجاز في عمّان كتابٌ جديد للناقدة السورية ولاء أبازيد، في أدب الأطفال، عنوانه «القيثارة والعصفور: شعر مصلح النجار الموجه إلى الأطفال (القيمة والمقاربة الجمالية)»، وجاء في 200 صفحة من القطع الكبير. ومصلح النجار شاعر وأكاديميّ، حصل على جائزة الملك الحسين بن طلال للإبداع والتفوّق في مجال ثقافة الطفل 2020، وعلى جائزة الشارقة في أدب الأطفال 2004. وله أعمال شعرية موجّهة للأطفال مجموعة في مجموعات منها «وطن وحرّية» 2004، و»أرسم دنيا» 2020، بالإضافة إلى مئات القصائد المنشورة في مجلات الأطفال في الأردن والعالم العربي. كما نشرت له خمس مجموعات شعرية للكبار، ودراسات نقدية وبحوث أكاديميّة. وتضمن الكتاب فصلين؛ فصلا نظريّا، وفصلا تطبيقيّا. أما الفصل الأوّل النظريّ، فاهتمّ بالملامح النظرية المتعلقة بأدب الأطفال، المفهوم والتعريف، والفلسفة التي ينطلق منها، والأهميّة التي يتمتع بها، وأهم الأنواع الأدبية التي يُكتب بها أدب الأطفال، من شعر، وقصة قصيرة، ومسرحية. وأشارت الناقدة إلى أهميّة الشعر، لما له من مكانةٍ يشغلها في الأدب بوجه عام، وفي أدب الأطفال بوجه خاص، وفي الأدب العربي بالتحديد، مع إيلاء الاهتمام لأبرز المفاصل والقضايا التي تتعلق بهذا الفنّ في أدب الأطفال، وجمالياته وميّزاته التي ينماز بها. كما خصّصت عنوانا لإلقاء نظرة تاريخية على أدب الأطفال ونشأته في الغرب والعالم العربي، وتضمّن هذا المبحث ببلبوجرافيا، عن الأعلام والكتب والمؤلفات والمكتبات التي شكّلت بدايات نشأة أدب الأطفال، أو كان لها أثر، من بعيد أو من قريب في هذا الأدب المجتمعي. وهي تحقق فائدة كبيرة بتعريف القرّاء والمطّلعين، بهذه الأعلام، والمؤلفات، والمنشآت، بعيدا عن ذكر الأسماء والعناوين، في محاولة لمساعدة القرّاء على تكوين صورة معرفيّة وافية عن أدب الأطفال العالمي الغربي والعربي. وأما الفصل الثاني، فقد ضمّ الدراسة التطبيقية وفيها معاينة للنصوص الشعرية الموجّهة إلى الأطفال، فعمدت الناقدة إلى تناول أعمال الشاعر الأردنيّ مصلح النجار الموجّهة إلى الأطفال، في محاولة منها للكشف عن ميزات هذه الأعمال، والسمات التي اتّسمت بها، والبحث في الكيفية التي يكتب بها شاعر الأطفال اليوم. وأخضعت الناقدة أعمال الشاعر إلى البحث والدرس والفحص والتتبع، على مستوى اللغة، ومستوى الصورة والخيال، ومستوى الإيقاع والموسيقى، ومستوى البناء الدراميّ. فعلى مستوى اللغة، تتبعت الكتاب المفردات والتراكيب، وأبرز اهتمام النجار في أعماله الموجهة إلى الأطفال، بنوعيّة الألفاظ التي ينتقيها، وتنويعه إيّاها بين السهولة والوضوح، من جهة، وبين السعي إلى رفع مستوى المعجم اللغوي لدى الطفل، وتوسعيه من جهة أخرى، باعتماده استراتيجات، وطرق تعبيرية خاصة، أو وضع المفردات الجديدة في سياق لغوي يسهّل فهم معناها، ويحول دون إرباك الطفل. كما وضّحت الدراسة أن النجار اهتمّ بتقنيات الترادف والتكرار ومثيلاتهما الأسلوبية، التي تساعد في ترسيخ المعنى في ذهن الطفل، وتكثيفه، وزيادة خياراته اللفظية، تلك التي تمده بركيزة لغوية غنيّة تساعده في التعبير عن أفكاره. وبرأيها فقد ناسب النجار بين ألفاظه ومعانيه، الأمر الذي يطوّر نوعا من الفطنة اللغوية لدى الطفل، في تخيّر الألفاظ المناسبة للمعاني التي يريد التعبير عنها. ونوهّت الناقدة إلى احتواء بعض النصوص، مفردات وألفاظا تنتمي إلى حقول دلالية معيّنة، وهو ما يحقق انسجاما عقليا، وبعدا تعليميا على مستوى اكتساب اللغة، كونها تبني لدى الطفل معجما نوعيا، يعطيه معرفة وافية لتفاصيل المواضيع، ومتعلقات الأشياء. وأما على مستوى الصورة والخيال فوجدت الناقدة أن الشاعر لا يعمد إلى الصور والخيال حشوا، وإنما يجيء بالصورة حين يشعر بضرورة وجودها، بدليل خلوّ بعض قصائده من الصور البلاغية، ربّما بشكل متعمّد، وقلّة وجودها في بعضها الآخر. وخلصت الناقدة إلى استعاضة النجار عن الصور البلاغية في مثل هذه النصوص، بالمفردات الحسيّة، والألفاظ الحركية، كالأفعال، لقدرتها على رسم صور غير بلاغية في ذهن الأطفال. كما ظهرت أهمية الصور في عدد من قصائد الشاعر، إذ غدت أداة تنمو بها القصيدة، وتتقدم بوساطتها. وتنوعت صوره بين البسيطة والمركبة، من دون تعقيد. وبين حسية بصرية، وسمعية، وشمّية، ولمسية، وقد احتاج بعضها لإدراكه معرفة بالمعاني المجردة، فعمد الشاعر إلى صوغها في مستوى خيالي أعلى من المعتاد لمثل هذه الصور، من أجل رفع مستوى خيال الطفل، وإطلاق العنان له. وأشارت الدراسة إلى أن الشاعر النجار اعتمد كسر أفق التوقع، وتغيير طبائع الأشياء، لإثارة الطفل وتحرير عقله. ورأت أنه أضفى بعدا دراميا على قصائده، مما حقق للقصيدة نقلة إلى مستوى انفعالي مختلف. وعلى مستوى الإيقاع والموسيقى تتبعت الناقدة في كتابها، المستوى الإيقاعي والموسيقي، في أعمال النجار، فوجدت تنويعا بين الموسيقى الداخلية والخارجية لنصوصه. إذ جاء بعضها منظوما على أوزان بحور الشعر التقليدية، وجاء بعضها الآخر منظوما على التفعيلة. وقد مال النجار إلى البحور الشعرية الخفيفة والسريعة، التي تناسب أمزجة الأطفال. وبرأي الناقدة فإن النجار كان حريصا على إطْلاع الأطفال على أنماط شعرية مختلفة، لتوسيع ثقافتهم ومداركهم. كما أشارت الناقدة إلى أن النجار اهتم بالقافية والتصريع، ومال إلى التنويع في القوافي، ضمن النص الواحد، من أجل الارتقاء بالذوق الموسيقي للطفل. هذا فضلا عن اعتماده عناصر التكرار، على مستوى المفردات والجمل، والأسلوب، ولا سيما في نصوص شعر التفعيلة، الأمر الذي أضفى على نصوصه جوّا موسيقيّا داخليّا. وأما على مستوى السرد، فقد بيّنت الناقدة ظهور القصة الشعرية، في نتاجات النجار، إذ عمد الشاعر إلى إعادة صياغة قصص عالمية بطريقة شعرية جديدة وغير مألوفة لدى الأطفال، كما تضمّن هذا النوع من القصائد، عناصر سردية، كالشخصيات، والزمان والمكان، والحبكة. وأشارت الناقدة إلى ظهور سمات مسرحية، في بعض نصوصه، كالحوار مثلا. ولم يغفل عن البعد التربوي، الذي ظهر جليّا في العبر القصصية، في نهاية القصة الشعرية لديه. وخلصت الناقدة أبازيد، إلى أن تجربة الشاعر النجار، في أدب الأطفال، تجربة غنيّة، وجديرة بالدرس. فهو يكتب وفق استراتيجيات خاصة، بأهداف إبداعيّة، وتعليمية، ولغوية، وتربوية، من أجل الارتقاء، بالطفل من خلال تزويده بالتجارب الغنيّة، بطريقة علميّة مدروسة. وارتأت الناقدة أن النجار، يؤمن بأن الطفل كائن ذكي، لديه قدرات عقلية وإدراكية، وخيالية عالية. ولذلك كان يشركه في صياغة النص، ويأخذ بيده إلى مستويات لغوية، وفنية، ومعنوية، أعلى من المعتادة في شعر الأطفال. كما أنه كان يحاول إغناء تجربة الطفل، من خلال عامل الدهشة المتمثل بالصور الغريبة غير المعقدة. وأوصت الناقدة الباحثين بضرورة البحث في ميدان أدب الأطفال، وأنواعه الأدبية المختلفة، لما له من أهميّة في تنشئة الطفل تنشئة سويّة، إن أتيحت له آفاق صحيّة، ولا تتحقق هذه الغاية برأيها إلا في ظل النقد الأدبي الجادّ والمستقصي. لعلّ اهتمام النقد العربي بتجارب الشعراء الأردنيين يفصح عن مكانتهم الأدبية على المستوى العربيّ، وبجدارة تجاربهم بالدراسة والنقد واستحقاقها للتحليل الجادّ. وفي الوقت نفسه تجيء هذا الدراسة إعلانا عن ضرورة متابعة أعمال الأدباء الأردنيين الموجّهة إلى الأطفال، وهو مجال إبداعيّ لا يفيه النقد الجادّ حقّه من الدرس. * ماجستير في النقد الأدبي- الأردن جريدة الدستور الاردنية
الكاتب:
اسرة النشر بتاريخ: الجمعة 16-02-2024 08:34 مساء الزوار: 300
التعليقات: 0
|
|