|
|
||
|
كيف نشأ الشعر ؟ !!! شاكر الغزي
هنالك عدة آراء ونظريات في كيفية نشوء الشعر العربي ، وإجمالاً يمكن القول أن الشعر العربي نشأ من إحدى ثلاث أمور هي : 1- حداء الإبل . فبعض الباحثين يرى أن البيئة العربية بوصفها بيئة صحراوية قاحلة ، والعيش فيها يحتاج إلى المشقة والعناء والكدح المستمر ، فمثلاً ، الأرض المجدبة تحتاج إلى جهد كبير لتصبح خصبة وصالحة للزراعة ،وللحصول على الماء فلا بد من حفر بئر جديد أو متح بئر قديم ، ورعية الأنعام تحتاج إلى تعب وجهد مضنيين ، وإن أجدب العشب والكلأ في مكان ٍ فلا بد من الترحال إلى مكان آخر ، فكل هذه الأمور وما شاكلها تحتاج الى العمل الجماعي وكان الغناء الوسيلة المثلى للترويح عن النفس ورفع درجة الحماس للعمل ، لذلك ظهرت بعض الأناشيد التي تحث على العمل أو تذكر بعض الأمور المحببة كالتغزل بالنساء لينسى المرء متاعبه ويجد في عمله ، وهذه العادة باقية إلى يومنا هذا وخاصة في المناطق الريفية . ومن جانب آخر فإن سوق الإبل يحتاج إلى الحُداء لأن صوت الحادي يستعجل الإبل للمسير ، كما قال الشريف الرضي : وأعجلها الصريخ إلى المعالي * كما يستعجلُ الإبلَ الحداءُ وقال أبو تمام : وخذهم بالرقى إنّ المهارى * يهيـّجها على السير الحداءُ ذلك لأن الإبل تطرب الى الحداء فتتبع صوت الحادي ، قال مهيار الديلمي : إذا أطرب الإبل الحداء فإنني * إليكم متى غنيت فالجود مطربي ونقل الأبشيهي عن النبي (ص) حديثاً قال فيه : إن أباكم مضر خرج في طلب مال له فوجدَ غلاماً تفرقت إبله فضربه على يده بالعصا فعدا الغلام في الوادي وهو يصيح : وايداه ، فسمعت الإبل صوته ،فعطفت عليه ، فقال مضر : لو اشتقّ من الكلام مثل هذا لكان كلاماً تجتمع عليه الإبل ، فاشتقّ الحداء (1 ). وغير الأعمال المجهدة والحداء فإن هناك بعض الأمور التي تعلق في أذهان الناس وتنمو معهم وتكبر كيفما يكبرون حتى تصبح جزءًا منهم ، هذا المفهوم قد ساهمَ في نشوء الشعر إذ إحتاج الإنسان إلى وسيلة وأسلوب لهما تأثيرهما الخاص في طبع الأفكار في قلب وعقل المتلقي والسامع ، فأختار الفقرات المنغـّمة ذات الإيقاع المتشابه التي يسهل حفظها ويسري مفعولها في نفس الآخرين،ولذلك شاع سجع الكهان وهو كلام له قواف ٍ كقوافي الشعر إلا إنه غير موزون ، وعن ابن جني أنه سمي سجعاً لإشتباه أواخره وتناسب فواصله ، والكاهن هو الذي يتكهن بالغيب أي يدعي معرفة ما سيحصل في المستقبل وكان الكهان يروّجون أقاويلهم بأسجاع تروق السامعين وتستميل قلوبهم وتستصغي أسماعهم . وخلاصة القول أنه يمكن الإفتراض بأن الإنسان ومن خلال الحوار والتكلم فطن إلى أن بعض الكلمات والجمل يمكن أن تكون منغـّمة وذات إيقاع موسيقي إذا ما قطـّعت تقطيعاً معيناً أو تشابهت في اللفظ وفي مخارج الحروف وترافق مع ذلك معرفة بأثر الإيقاع والأنغام والغناء في النفس البشرية، فأخذ يحوّر لغته البسيطة إلى كلمات مقطـّعة متناسقة منغـّمة يمكن أن تصلح للغناء ومدّ الصوت ، وكذلك أخذ يصنع بعض الأخيلة والصور البسيطة لما لها من أثر في نقل الأخبار والأحاديث وتجسيد ما يريد أن يقوله ليظهر الكلام بغير مظهره المعروف ، لذلك كان الخيال أهم ما يحتاج إليه الشاعر ، ولذا قيل : إن الخيال مطية الشعراء ِ ، وبعد ذلك أخذ يزجّ بعاطفته الجياشة وينثر أحاسيسه هاهنا و هاهناك ، ولعل ( العاطفة والخيال ) هما بوابة الشعر التي يدخل منها إلى مدنه الذهبية تغنّ بالشعر إمّا كنت قائلهُ * إنّ الغناء لهذا الشعر مضمارُ ولذا قال القيرواني : كان الكلام كله منثوراً ، فاحتاجت العرب إلى الغناء بمكارم أخلاقها وطيب أعراقها وذكر أيامها الصالحة وأوطانها النازحة وفرسانها الأمجاد وسمحائها الأجواد لتهتز أنفسها إلى الكرم وتدلّ أبنائها على حسن الشيم ، فتوهموا أعاريض جعلوها موازين الكلام فلما تم لهم وزنه ، سموه شعراً لأنهم شعروا به أي فطنوا (2) طفلة ٌ ما ابنة المجلـّل بيضاء * لعوبٌ لذيذة ٌ في العناق ِ (4) ويقول أبو النجم العجلي في وصف قينة تلحن في غنائها : تـُغنّي فإن اليوم يوم من الصبا * ببعض الذي غنى امرؤ القيس أو عمرو ولعله يريد عمرو بن قميئة صاحبه المقرب (5) ، وبيته هذا واضح الدلالة على أن امرئ القيس وعمربن قميئة كانا يتغنيان بشعرهما . ومستجيب ٍ تخال الصنج يسمعه ُ * إذا ترجـّع فيه القينة الفضلُ والصناجة أيضاً المرأة صاحبة الصنج ، قال الشاعر : إذا شئت غنتني دهاقين قرية * وصناجة ٌ تجذو على كل منسم ِ ويدل على ارتباط الغناء بالشعر أيضاً خروج هند بنت عتبة وجماعة من نساء قريش في غزوة أحد يضربن على الدفوف وكانت تغني بقطعة من الشعر منها : إن تفبلوا نعانق ْ * ونفرش النمارق ْ وذهب البعض مذهباً بعيداً حين رووا بيت عنترة بن شداد العبسي في أول معلقته على الصيغة التالية : هل غادر الشعراء من مترنـّم ِ * أم هل عرفت الدار بعد توهـّم ِ بمعنى أن الشعراء ترنموا بشعرهم ولم يتركوا موضعا ً يصلح للغناء والترنم وإلا فعلوا ذلك (7). أقول إن الرواية المشهورة هي : هل غادر الشعراء من متردم ِ والمتردم هو الموضع الذي أخلق واسترقع ، معناه أن الشعراء ما انفكوا يبكون على اطلال الأحبة فهل أفعل ذلك أنا ، وهو استفهام متضمن معنى النفي . زعيمٌ لمن قاذفته بأوابد ٍ * يغنّي بها الساري وتحدى الرواحل ُ (8 ) نستنتج من ذلك أن العرب اهتدوا إلى الشعر من خلال الغناء وهو القاسم المشترك بين الحداء والعمل الجماعي ففي كلاهما كان الغناء هو الأساس ، قال الراجز : حدوتها وهي لك الفداء ُ * إن غناء الإبل الحداء ُ وقد شعروا (علموا ) بميزة الشعر عن غيره من الكلام وشعروا بفروعه ولذلك سموه شعراً والشعر معناه العلم والفطنة أي انهم علموا وفطنوا إلى خصوصية هذا الكلام فإذا أرادوالقول فيه قصدوه وأخذوا يزيـّنون الكلام ويزخرفونه ، ولذلك دخل الشعر في باب الصناعات لإحتياجه إلى لغة متميزة في مفرداتها وجموعها ومجازها ومستعارها ، ولهذا السبب نجد كلمة شاعر عند اليونانيين القدماء معناها صانع (9) . معاتبة لهنّ حلا وحوباً * وجلّ غنائهنّ هيا وهيد ِ (11 ) وقال الصاحب بن عباد : يقولون في زجر الإبل هيد ِ هيد ِ و هييد ِ هييد ِ و هادياً هادياً و هـِــدْ هـِـدْ (12) وكلها على وزن (فعلن) و( فاعلن ) ، وقال القيرواني إن أول الحداء قول مضر : وايداه وايداه وجعلت منه العرب هايداً هايداً (13) وفي اللهو والملاهي : واشتق منه الحداء هادياً هادياً (14) و قوله (وايده ) بالضم أو السكون على وزن ( فاعلاتن ، فاعلان ) على التوالي ، وعندهم أيضاً فإن الرجز هو الحداء (15) لسهولة الرجز وبساطته وكثرة استخدامهم له في الحداء ، ويمكن القول أن أول البحوراشتقاقاً هو المتدارك والرجز والرمل الكاتب: سكرتاريا التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 10-07-2020 03:35 مساء الزوار: 137 التعليقات: 0
|
|